حضرة النّائب
أثناء العرس..
ينضح لسانه عسلا، وتجري الأحلام بين يديه كما يجري السّحاب في يوم ماطر. يُرى في بؤر الفقر ومعاقل المأساة. وفي كلّ مكان يحلّ به، يستعر من حوله الهتاف والتّصفيق. “أيّها الجوعى، أيّها المظلمون، أيّها المسحوقون، ضعوا أمانيكم في رقبتي. أقسم بالله، ولئن لم أوفّها لكم فهذه ذراعي فاقطعوها…”
بعد العرس..
يُرى مقعده شاغرا في البرلمان… وتُرى سيّارته الدبلوماسيّة الفارهة في مهام أخرى…
بذور الذّل
في ظلمة اللّيل تتحسّس الأمّ الضّريرة ولدها..
” لا تغرنّك عِزّة النّفس يا ولدي، فإنّها تؤدّي إلى التّهلكة. إيّاك والصّدق، إيّاك والصّراحة، فإنّ قطع الرّقبة مقرون بهما. واعلم أنّ الأبواب يفتحها الطّبل والزّمر. اجعل حاجتك العليا، وحاجة الآخرين هي الدّنيا. ولا تقل هذا حقّ، وهذا باطل، بل قل هذا في مصلحتي، وهذا ضّدها. وقت حاجتك قل للكلبة: خالتي”!
*****
الولد في عرض الصّحراء تجلده الشّمس، مشدودة أطرافه إلى أوتاد أربعة.. تربض على صدره كلبة شرسة تفيض نظراتها كَلَبًا.. يُسبّح بصوته الواهن: يا خالتي، يا خالتي، يا خالتي…!
الطّامِس
يلتقيه ذات بهجة. يحّدث نفسه: ” عسى يغمرني بضوئه.”
يستلّ كتابا مُغبَرا، يكتب عند الصّفحة الأولى: “إلى كبير المبدعين وأستاذ الأجيال. إليك هذا الكتاب، ثمرة الوجع والتأمّل، وحصاد سنين من الحلم، أضعه بين يديك عساه يزهر..”
*****
يشقّ كبير المبدعين الصّحراء وبشماله الكتاب.. يبدو وسط العراء المترامي ذبابة صغيرة.. بغتة تدور بطنه، يقرفص، يحدث أصواتا… يلتفت، لا شيء يمسح به (…)
يمزّق الكتاب و…
كبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاش
رجل أمّي يتخيّر كباشه بعناية كما يتخيّر بدلاته الأنيقة. كلّما زلّت به القدم، ذبح كبشا وأصعد مكانه كبشا آخر…
أمّي
أمّي قامتها هيفاء، بشرتها سمراء… كلّ مرة تنهشها الذّئاب فلا تسقط… تُرمى بالحجارة، فتظلّ يداها مبسوطتين. أشكو إليها طيبتها، وأحيانا أصرخ في وجهها غيرة عليها.. تبتسم ولا تردّ…
السّجينة
زوجي يهتمّ بلحيته ولا يهتمّ بي. يمسّدها ويدهّنها ويرسلها حُرّة على صدره.. أمّا أنا فحرام عليَّ أن أرى الشّمس خارج القضبان. كلّي حرام، صوتي ووجهي ويدي…
ولو كان سجّانا لي وحدي لهان الأمر، إنّما امتّدت قيوده إلى بناتي. يعدّ على أنامله: هذا حلال… وما عداه فحرام.
*****
- سيّدي القاضي، طلّقني منه.
*****
“ليتني متّ قبل هذا. كسرت قيدا لأُغلّ بغيره. حيثما يممّت وجهي لحقتني عيون الشكّ، ونفذت إليّ النّظرات كشواظ النّحاس…”