لك أن تتخيل هذه القصة الحزينة في أحد الأيام وأنا ذاهب إلى مدينة الشيخ عثمان من أجل شراء كتب مدرسية لإبني ، صادفت حكاية حزينة لم أتصورها قط..
عند ذهابي الى سوق الشيخ منطقة الحراج شدني موقف إذ رأيت امرأة من بيئة عدنية وكان شكلها يوحي بأنها من البيوت العدنية المتوسطة المحترمة في عدن وكان في يدها كيس … لفت نظري هذا المشهد… وإليكم الحكاية..
أخرجت المراة من الكيس ثيابا لرجل (شمزان)و(فوط)و(معاوز) …
و بنظرتي المتفحصة استنتجت انها لرجل محترم . كانت المراة تجادل الرجل البائع الذي خفض لها السعر كثيرا …لكن صوت المراة ارتفع غاضبة على البائع معتقدة أنه ظلمها في السعر فهي تريد شراء ملابس مدرسية لأولادها…
كنت واقفا أتأمل المشهد مستغربا من موقف المراة العدنية المحترمة . وبقيت اتابعها بنظري ، مشت بضع خطوات و إذا بها تتكلم مع رجل كان جالسا في الأرض ..اقتربت منهما علني أسمع مايدور لأشفي فضولي .
و كان صوت المرأة مرتفعا وانفعاليا وهي تكلم الرجل الجالس في الأرض… كان يبدو عليه علامات الاستحياء …
قالت له المرأة ألاتستحي يارجل من نفسك ، ألا ترى أن هذا البائع يستغلني لأني امرأة بينما تنظر أنت بدون مبالاة !!
انتكس وجه الرجل خجلا عندما رآني أنظر إليه. و تمعنت في وجهه كثيرا ، ذهلت !
عرفته إنه صديقي وابن منطقتي لكني لم اره منذ عشرين عاما عندما انتقل إلى منطقة الممدارة ..هذا الرجل كان مثالا للذكاء والأخلاق ، كان جامعيا وذكيا ووسيما… مالذي أوصله ادإلى هددذه الحال !
دعوته باسمه ، نظر ناحيتي وتمعن في النظر قليلا … وانكس رأسه إلى الأرض كأنه يقول لي مالذي اتى بك في هذه الساعة حتى ترىى ماأنا فيه… و ارتفع صوت المراة مجددا فقام مهرولا محاولا الابتعاد مني . فهرولت بعده و أمسكت به من الخلف فااستدار، وهالني مارايت رأيته يبكي والدموع تملأ مقلتيه وتنساب على خديه حتى باتت تبلل شاربيه. ما أصعب هذا الموقف عندما تبكي الرجال في موطنها وهي ذليله منكرة… استدار الرجل ووقف بضع ثواني،وهو يبكي ورأسه منكسا كأنه يقول لي أنا لا أستحق أن تعانقني ، ولكنني عانقته عناق الأصحاب ، عناق أبناء الوطن ، عناق أبناء الحارة..
وهنا سرد عليَّ حكايته كان هو الجامعي الذي تخرج وعمل في إحدى المصانع ولكن بعد حرب 94م أجبر وأمثاله على التقاعد بمعاش لايكاد يوفي متطلبات المنزل .. معاش رمزي! كما أجبر آخرون على التقاعد وهم في ريعان الشباب.
وأكمل الرجل حكايته ؛ كنت أعمل هنا وهناك عندما كنت في ريعان الشباب ولكن أصبت بارتفاع (السكر) مما سبب لي التهابا وعثمة في الشبكية فلم أعد قادرا على العمل وراتبي لايقضي حاجة فاصبحت ذليلا مهانا في بيتي وذليلا في وطني … لسبب ليس لي يد فيه . أنا درست واجتهدت وانت تعرف هذا يا أحمد ولكن فرضت علينا ظروف لم نكن نتوقعها قط كانت أقوى منا جعلتنا أذلة في وطننا…
جثم الرجل على ركبتيه واضعا كلتا يديه على وجه وهو يبكي بكاءً مرا… ما أصعب الرجال عندما تبكي.. كان يبكي وينتحب وهو يقول اذلتني زوجتي واذلني وطني ياأحمد….
عدت بعدها إلى منطقتي وأنا أبكي على وطن أشبع أبناءه ذلا وقهرا وبكاءا.
