الشاعرة والإعلامية ليلاس زرزور تحاور لآفاق حرة الشاعر الأردني سعيد يعقوب

مساء يفيض بالسحر والجمال، يلامس الأرواح كهمسة لطيفة، ويغمر القلوب بسلامٍ عذب. مساء تتراقص فيه النجوم كأنها أحلامٌ تنتظر أن تتحقق، وينساب فيه الهدوء كأنغامٍ تُداعب الحنين.

نعود لحواراتنا الجميلة الماتعة “حوار شعراء أدباء”

بكل تقدير واعتزاز، نرحب اليوم بشاعرٍ كبير، فذٍّ في كلماته، عميقٍ في تأملاته، ساحرٍ بقدرته على تحويل الحروف إلى مشاعر، وكأن اللغة بين يديه تصبح طوعًا، تتراقص على إيقاع نبضه الشعري الأصيل.
في حضرته، يصبح الصمت بليغًا، وتزهر الكلمات كزهورٍ نادرة تنبت في بساتين الشعر الراقي.

إنه شاعرٌ لم تقتصر إبداعاته على نظم القوافي، بل تجاوزت ذلك لتسكن في القلوب، وليترك أثراً لا يُمحى في الوجدان. شاعرٌ سكنته الحكمة، فنهل من معينها لينير دروبًا، ويضيء زوايا مظلمة في عوالمنا المعاصرة.

يسعدنا أن نغوص في بحر شعره العميق، أن نرتحل معه في رحلة فكرية وجمالية، لنستكشف رؤيته …
لنسأل ونتعلم، لنستمع إلى حكاياته التي سطّرها بحبر الإبداع والأمل.

الشاعر الكبير سعيد يعقوب

سعيد يعقوب عضو رابطة الكتاب الأردنيين /أصدر ستة وثلاثين ديوانا شعريا /دخلت قصائده في المناهج الدراسية في الأردن وفلسطين /حصل على عديد من الجوائز العربية والمحلية /وضعت حول شعره عدة رسائل ماجستير ودكتوراه/وضعت عدة كتب حوله وحول شعره/كتب أكثر من أربعين مقدمة لدواوين شعرية لشعراء عرب وأردنيين

من عناوين دواوينه :غزة تنتصر/ قسمات عربية /عبير الشهداء /مقدسيات /من مسافة صفر /وللحديث بقية /نسمات أردنية وغيرها كثير

كان لنا معه هذا الحوار المميز الماتع

** كيف بدأت رحلتك مع الشعر ؟ وكيف أثر محيطك وعائلتك على إبداعك الشعري ؟

ـ رحلتي الشعر هي رحلة عمري كله ، فقد تفتح الوعي لدي مع الطفولة المبكرة على الشعر سماعا وحفظا وحبا وتعلقا به وبأعلامه ، كان والدي رحمه الله يحفظ كثيرا من القصص والأشعار كتغريبة بني هلال والزير سالم وعنترة وسيف بن ذي يزن وكان يجمعنا ونحن أطفال صغار حوله ويسردها على مسامعنا بأسلوبه المشوق وإنشاده الأخاذ بتلوين صوتي جميل وأداء تعبيري مميز فكنت أسمع منه اللفظة المموسقة المنغمة مما حبب إلي الشعر فبدأ بحفظه وتذوقه ثم بدأت أقرأ في دواوين الشعراء النابهين وأتعرف عليهم وأستظهر جيد أشعارهم ،وبدأت أكتب الشعر في فترة مبكرة من حياتي ربما في الثانية عشرة وألقيه في الإذاعة المدسية وسط تشجيع من الأهل والطلاب والمعلمين مما دفعني لإصدار أول ديوان شعر لي وأنا لم أتجاوز الثامنة عشرة من عمري وربما كان هذا أول ديوان شعر يصدر في الأردن لشاعر في مثل هذه السن الصغيرة ،ولكنه بالمؤكد أول ديوان شعري عمودي يصدر لشاعر في المحافظة التي ولدت بها أعني محافظة مادبا جنوب عمان في الأردن ثم تواصلت مسيرتي الشعرية حتى بلغت دواويني المنشورة اليوم ما يزيد عن ستة وثلاثين ديوانا شعريا .

** من هم الشعراء الذين أثروا في تطور أسلوبك الشعري ؟ وأي عصر من العصور برأيك بلغ الشعر مجده ؟

أعتقد أنني استقرأت كل العصور الشعرية منذ العصر الجاهلي حتى اليوم وقرأت أبرز دواوين الشعراء النابهين بكل العصور بل تجاوز ذلك إلى شعراء الأمم والشعوب الأخرى من الشرق والغرب ولكن يبقى في كل عصر من العصور شاعر واحد يتفوق على كل معاصريه وعموما فإن جرير والبحتري والمتنبي وأحمد شوقي هم الأقرب لروحي دون غيرهم من بين الشعراء على كثرتهم .

** ما هي القِيَم الأساسية التي تسعى لنقلها من خلال قصائدك ؟

دائما ما أقول الشعر لا ينفصل عن الشاعر وهو أرقى سلوك بشري يمكن أن يمارسه الإنسان وهو أسلوب حياة ورسالة وله وظيفة مجتمعية ولا أؤمن بأن الفن للفن كما يقول البرناسيون وعلى الشاعر ألا ينفصل عن واقعه وهموم أمته بل عليه أن يعبر عن آمالها وآلامها والشعر هو في جانب من جوانبه كما يحلو أن أعرفه ” هو حشد أكبر كمية من الجمال في أصغر رقعة من اللغة ” وهو منظومة من القيم النبيلة وهو طريقة للرقي بالذوق وتعلم علم الجمال للنهوض بالمجتمع والسمو بالإنسان نحو آفاق المتعة والجمال والمعرفة والذوق وأحاول أن أركز على القيم التالية دائما الحرية والكرامة والعدل والمساواة والوحدة العربية ونشر المحبة والسلام والحق والخير .

**كيف ترى دور الشعر في المجتمع العربي المعاصر ؟ وكيف تؤثر الأحداث السياسية و الإجتماعية على أعمالك الشعرية ؟ وهل يستطيع الشعر أن يكون بناء في تغيير المجتمعات ؟

مما لا شك فيه أن دور الشعر في المجتمع تراجع كثيرا عما كان عليه في العصور السابقة فقد حلت محله وسائل إعلامية وتقنية ساهمت في تراجع دوره بعد أن كان في أزمان ماضية يؤدي دور وزارة الإعلام في القبيلة وكان الشاعر يقوم بمهام مديرية التوجيه المعنوي في الجيوش المعاصرة اليوم ويرصد الأحداث الكبرى وله رواة ينقلون عنه ما يقوله وتحتفي القبيلة بنبوغ شاعر منها كما لا تحتفل بأي مناسبة أخرى حلت محله اليوم أدوات جديدة فهناك الإعلام المقروء والمسموع والمنظور وهناك الكميرا وهناك فنون إبداعية مناسبة كالرواية مثلا التي يعتبرها العرب هي ديوان العرب بعد أن كان الشعر ديوانهم ولكن يبقى الشعر بالرغم من كل ذلك ذا دور مهم في الحياة لأنه يرصد المشاعر والعواطف والأحاسيس وهذا ما لا يمكن أن تقوم به أي تقنية حديثة فالشعر هو توثيق للحظة شعورية ما ،ويبقى للشعر شعراؤه ويبقى للشعراء محبون ومعجبون وقرّاء ، وأنا أكتب في كل مناسبة أو حادثة تجري من حولي مهما كان نوعها وأرى أن الشاعر له دور كبير في توجيه الناس والتأثير في عقولهم ووجدانهم والشاعر الكبير أيضا موجه لباقي الشعراء في الكتابة حول تلك القضايا فقصيدته ملهمة لهم وتشكل حافزا لمجاراته والسير على خطاه وكثيرا ما لمست هذا الأمر في ما كتبت من قصائد .

** كيف توازن بين الأسلوب التقليدي و التجديد في شعرك ؟

كان هاجسي منذ انطلاقتي الأولى في الشعر أن أكون مميزا ومختلفا عن الشعراء السابقين هذا الهاجس دفعني لأن أبحث عن بصمتي الخاصة وحنجرتي الشعرية المغايرة ولذلك كان همي أن أحدث فارقا في الشعر من حيث تبسيطه وتقريبه للناس مع المحافظة على قوته وجزالته وإشراق اللغة وبيانها وهي معادلة صعبة التحقيق إذ كيف تجمع بين الشعر العربي العمودي الأصيل كما يحلو لي تسميته بكل ما فيه من لغة ومستوياتها المختلفة أعني النحو والصرف والبلاغة وفي الوقت نفسه أن تحافظ على السهولة والبساطة بما يمكن تسميته السهل الممتنع ثم أن آتي بصور جديدة وأفكار فيها جدة وابتكار بعيدا عن الاجترار والتقليد وإعادة انتاج ما تم استهلاكه سابقا هنا التحدي الحقيقي للشاعر وأعتقد أنني نجحت في كثير مما حاولت الوصول إليه وتحقيق هذه المعادلة الصعبة في كثير مما كتبت ولكن لا بد من الإشارة هنا إلى ضرورة الاستفادة من المنجز النقدي الحديث عربيا وعالميا وتوظيفه في خدمة النص وهنا أشير إلى أن ذلك كان قبل أن نتعرف على وسائل التواصل التي فتحت لنا الآفاق واطلعنا على كثير من تجارب الآخرين في الأقطار العربية التي أثرنا بها وتأثرنا أيضا كان يخيل لي أنني الوحيد الذي يكتب الشعر العمودي الذي كان يحارب بقوة في مطلع الثمانينات وحملت على عاتقي مهمة إعادة الوهج له وعودته للمشهد الشعري العربي حتى أصبحنا لا نرى إلا من يكتبون الشعر العمودي خصوصا الشباب وكأن الشعر العمودي هو شهادة للشاعر أو تذكرة دخول إلى نادي الشعراء ليعترف به شاعرا ،هذا ما أراه اليوم لقد نجحنا في هذا الأمر إلى حد بعيد في ظل تراجع ملحوظ لشعر التفعيلة وقصيدة النثر مع التحفظ على الاسم ،واشعر بالفخر على هذا الإنجاز الذي سعيت عمري لتحقيقه وها أنا أشهد بأم عيني ذلك في كل الأقطار العربية التي عادت لثصيدة العمود الحديثة على أيدي شباب يعد بالكثير من خلال مواهبهم الأصيلة واطلاعهم الواسع ، وهل هناك موضوعات معينة تجد نفسك تفضل الكتابة عنها ؟ أما الموضوعات الشعرية فقد كتبت في جميع فنون وأغراض الشعر كالشعر الوطني والقومي والديني والوجداني والوصف والهجاء والرثاء وشعر الأطفال والشعر المسرحي فلي مسرحيتان شعريتان هما ورد وديك الجن ومسرحية ميشع ملك مؤاب المنقذ وأرى أن الشاعر الحقيقي لا يعجزه القول في أي مجال ولكن المهم أن يكون مقتنعا بما يقول ليقنعنا به ، وان يأتي بجديد وان يتسم شعره بالصدق الفني أي الإيمان بما يقول وأن يتفاعل معه .

**كيف تتعامل مع النقد الأدبي لقصائدك ؟ وهل ترى النقد الأدبي يسهم في تحسين جودة الأعمال الأدبية وإلقاء الضوء على النقاط الإبداعية للشاعر ؟

أعتقد أنني كنت محظوظا أكثر من غيري من أبناء جيلي بالدراسات النقدية والبحوث المحكمة التي نشرت في المجلات العلمية الرصية التي تصدر عن الجامعات المرموقة وحظيت دواويني بمقدمات لنقاد كبار في الوطن العربي وكانت دواويني مدار دراسات لرسائل الدكتوراه والماجستير لعدد من طلبة الدراسات العليا وكذلك وضعت عدة كتب عن تجربتي الشعرية مثل كتاب الدكتور مصطفى خضر الخطيب بعنوان قسمات عربية في الميزان وكتاب البناء الفني في شعر سعيد يعقوب وكتاب سعيد يعقوب شاعرا وإنسانا للأستاذ المرحوم فوزي الخطبا وغيرها وأنا بالطبع أرحب بكل الآراء النقدية البناءة والإيجابية وأرى أن النقد يخدم الشاعر وبعض الدراسات النقدية تسلط الضوء على الشعر والشاعر والنقد هو عمل إبداعي قد يتفوق على النص موضع الدراسة ويلفت القراء إلى ما لم يدر بخلد الشاعر نفسه .

** هل الشعر صناعة ؟ أم أنه كما يقال بأن الشاعر يكتب القصيدة بحبر الروح ؟

الشعر في الأصل موهبة اختص الله عبادا دون آخرين ولكن الموهبة وحدها لا تكفي فلابد لها من صقل هنا يمكن فهم الصناعة التي تعني امتلاك الأدوات الفنية التي لابد منها مثل النحو والصرف والإملاء والعروض والقافية والبلاغة وهذه علوم لا بد من اتقانها أضف لذلك الثقافة والمعرفة والممارسة والمران والكأس إذا امتلأت فاضت فلا غنى عن القراءة لأنها هي الرافد للشاعر ليقول شيئا ذا قيمة وعميقا وجديدا أما الذين يقولون أن الشعر إحساس ويكتب بحبر الروح فقط ويجب ألا يلتفت لغيره من العناصر الأخرى التي لا غنى للشعر عنها فأقول أن هذا الكلام لا صحة له ولا قيمة وما هو غير فقاعات من الهواء لا خلود لها ولا تقوم على بينة وبرهان وهو ما شجع المدعين ومن لا موهبة لهم على ملء الفضاء الإلكتروني بهذا الغثاء والهذيان أو وجودهم في بعض الأماكن الثقافية التي تهتم بالشخص لذاته لا للنص لميزاته أي أدب المجاملات والنفاق والزيف .

** ما رأيك بالحركة الأدبية بعد انتشار وسائل التواصل الإجتماعي السريعة ؟

وكيف تستطيع أن تقيم الشاعر ؟ وهل نحن بحاجة لترتيب الشعراء وفق درجات ؟ أرى أن الحركة الأدبية بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أخذت بعدين الأول إيجابي يتمثل في فتح الفضاء الأزرق أمام الشعراء من كل الأقطار ليتعرفوا على بعضهم وينشروا نصوصهم بعيدا عن مقص الرقيب بكل يسر وسهولة وحرية وقد اكتشفنا من خلاله عددا كبيرا من الشعراء المهين والكبار ما كان لنا أن نتعرف عليهم لولا هذه الوسائل ولكن بالمقابل كان له بعد سلبي في انتشار الأدعياء والطارئين على الشعر ممن لا موهبة لهم وهؤلاء يعتقدون أن المجاملات الزائفة من شللهم وأصدقائهم وعدد الإعجابات والتعليقات ترفع من قيمة نصوصهم السطحية والساذجة والرديئة والغثة أو يمكن أن تجعلهم شعراء فهم أصحاب نصوص ضعيفة لا تصمد طرفة عين أمام النقد الحقيقي العلمي الرصين والموضوعي .ومن يقيّم الشاعر هو نصه نفسه والناقد الذي يمتلك أسس المناهج النقدية ، والذي يرتب الشعراء هو نصهم فإما أن يرفعهم لسابع سماء أو يهوي بهم إلى الدرك الأسفل

** ماهي وظيفة الشعر في تصوركم ؟

للشعر عدة وظائف على قدر كبير من الأهمية أولها نقل المشاعر والأفكار من منتج النص للمتلقي والـتأثير فيه عقلا ووجدانا وسلوكا ثانيا هو يخلد لحظة إحساس عميقة لا يمكن لأي تقنية حديثة تصويرها وإبرازها وإخراجها من أغوار النفس الإنسانية وهو في جانب من جوانبه وثيقة تاريخية فبعض العصور نحن ندرسها من خلال الشعر كالعصر الجاهلي مثلا لنتعرف على طبيعة الحياة فيها وكيف كانت تسير أضف إلى ذلك أن للشعر وظيفة جمالية من خلال اللغة وفتنتها وصورها وموسيقاها الداخلية والخارجية أعني العروض وهندسة النحو وعناصر البلاغة وعلوم البيان والبديع والمعاني وهو وسيلة لنقل المعرفة والمتعة .
ـ وهل مازالت القصيدة تحقق الحضور المطلوب لها ؟ أعتقد ان دور القصيدة تراجع كثيرا ودليل ذلك عزوف عن الناس عن شراء الدواوين أو حضور الأمسيات الشعرية كان الناس قديما يحتفون بالشعر أكثر فهو وسيلة مهمة لهم للمتعة والمعرفة اليوم تعددت مصادر المتعة والمعرفة قلة قليلة اليوم من تهتم بالشعر وتحرص على سماعه وقراءته ولكن يبقى الشعر للنخبة التي تمتاز بالذكاء الكبير والإحساس العميق والذوق الرفيع وهو ضرورة حياتية لا غنى عنه لهؤلاء .

**ما هو تأثير الترجمة على الشعر العمودي من حيث الحفاظ على المعنى و الجمالية ؟

أرى أن الترجمة تفقد الشعر العمودي كثيرا من بريقه ووهجه لأن الشعر يقوم على عناصر لا يمكن أن توفرها الترجمة كالعروض والقافية والبلاغة وجمال اللفظ العربي ودقته في التعبير وهي العناصر الأساسية التي ترفع من قيمة الشعر ولذلك عند ترجمته تزول هذه العناصر وتبقى الترجمة للفكرة والأفكار غالبا ما تكون مكرورة مستهلكة وقليل منها ما يكون طريفا وجديدا ومبتكرا ومع ذلك تبقى للترجمة قيمة مهمة من حيث الإسهام في نشر النشاعر والتعريف به في غير المجتمعات العربية وبين الأمم والشعوب الأخرى .

** هل تعتقد أن النثر يمكن أن يصل إلى مستوى الشعر العمودي من حيث العمق و التأثير ؟

في النثر كثير من الجماليات وبعض النصوص النثرية تتفوق على الشعر فليس الجمال حكرا على الشعر والنثر الفني يوسع هامش الحرية أكثر من الشعر أمام الشاعر لأن الشاعر محكوم بالوزن والقافية وما يطلق عليه اليوم من قصيدة النثر فيها كثير من الجماليات والإبداع التي تتفوق على كثير من قصائد الشعر العمودي والخلاف مع أصحاب هذا اللون الأدبي هو في التسمية والمصطلح فلماذا لا يقولون عند التجنيس لهذا اللون أنه نثيرة أو نثر فني ولكنه ليس شعرا ا لأن العمود الفقري للشعر الذي يقوم عليه وبه يتمايز عن النثر هو الوزن فإذا خلا القول من الوزن فهو نثر وللنثر عشاقه وله تاثير فيهم يفوق في أحايين كثيرة الشعر وهناك في التراث العربي نصوص نثرية للمتصوفة في ذروة الروعة والجمال والإبداع وهذا ما نجده عند النِّفري في المواقف والمخاطبات على سبيل المثال وابن عطاء السكندري في حكمه أو أبي حيان التوحيدي في المقابسات وفي الإشارات الإلهية وغيرهم كثير وحديثا نراه عند جبران ومي زيادة وميخائيل نعيمة وغيرهم .

**ما رأيك بالمسابقات الشعرية ؟ وما مدى نزاهة لجان التحكيم ؟ وماهو رأيك بالألقاب التي يتبناها الشعراء ويطلقونها على أنفسهم ؟

دائما ما أقول إن آفة المسابقات اللجان وآفة اللجان الهوى وقلة قليلة من تستطيع أن تتخلى عن الهوى والتحيز وتتصف بالموضوعية وكثير من اللجان تضم في عضويتها غير مؤهلين حتى وإن كانوا أساتذة جامعات فكم رأينا من سقطات فاضحة لهم وجهل مطبق ولذلك أرى أن يكون المحكمون من الشعراء الكبار الذين لديهم قدرة على النقد فليس كل شاعر ناقدا ومن هم من أصحاب التجربة والخبرة والمسيرة الطويلة فالشاعر أقرب للنص من الناقد وهو أقدر على استبطانه وسبر أغواره واستكناه مجاهيله ويستطيع أن يتلمس جمالياته أو عثراته أكثر من الناقد ن وعلى الشاعر أن لا يطلق على نفسه لقبا ولا حتى لقب شاعر حتى يطلقه الآخرون عليه ويجمعون على استحقاقه لهذا اللقب .

** من ترى من الشعراء في عصرنا من يستحق لقب شاعر وماهي صفات الشاعر الفذ ؟

وهمسة منك في أذن الشعراء على كثرتهم ؟ لا تمتلك أي جهة مهما كانت هذه الجهة أن تطلق لقب شاعر على شخص ما الوحيد المخول أن يطلق لقب شاعر على الشخص هو نصه فقط والمبدعون في عصرنا كثر وهناك أعلام في كل قطر عربي يشار لهم بالبنان أما الشاعر الفذ أو الكبير من وجهة نظري فيجب ان تتوافر فيه عدة صفات منها طول التجربة التجربة وامتدادها وعمقها وكثرة الدواوين الصادرة له وتناول الباحثين والدارسين والنقاد له ودخول قصائده في المناهج الدراسية والمساقات الجامعية ،وكثرة ما يحفظ من شعره أو نشر نصوصه من الآخرين بكثرة لافتة ، واهتمامه بالهم العام الوطني والقومي والإنساني ولا يبقى يعيش داخل جدران ذاته منفصلا عن الواقع أو المجتمع ويعبر بلسان الإنسان عموما عن الضايا الوجودية الكبرى ،لا أن يعبر فقط عن ذاته أو هواجسه الخاصة وهو الملهِم للآخرين وخاصة الشعراء الشباب ويهتم بتقديمهم وتشجيعهم وتصويب عثراتهم وهو من يجيد التصرف في كل فنون القول الشعري ولا يقتصر على لون شعري واحد فقط هذا هو الشاعر الكبير والفذ في نظري .وأهمس في أذن الشعراء والشباب خاصة منهم لا تستجعلوا النشر والشهرة فأن كنت حقيقا بها ستأتيك إلى مكانك الذي أنت فيه فلا تستجدها ولا تغرك كثرة المعجبين والمعلقين من غير ذوي الاختصاص فالشيء يؤخذ من مصادره والناقد البصير هو صاحب كلمة الفصل في قيمة ما تكتب وأخي الشاعر حين تصبح شاعرا كبيرا ستجد في نادي شعراء العرب منذ الجاهلية لليوم آلافا مثلك فدع عنك الغرور فما أنت إلا واحد منهم .

**ما رأيك بمكانة المرأة العربية ؟ هل نالت حقوقها أم أنها مازالت تعاني وينقصها الكثير وهل أثبتت نفسها كشاعرة أم أنه مازلنا ضمن مصطلح أدب ذكوري وأدب نسائي ؟

أولا أنا لا أفرق بين المرأة والرجل من حيث الذكاء والقدرة العقلية أوالقدرة على الإبداع والتميّز ولا أفرق بينهما إلا بما تفرضه طبيعتها الفسييولوجية فقط وما فرضته الشريعة بما يلائم المرأة ولما فيه مصلحتها وقد أعطت الشريعة للمرأة كثيرا من الحقوق التي حافظت على كرامتها وقيمتها وصانتها أما في مجال الإبداع فكم من امرأة تفوقت على الرجال وشواهد التاريخ حاضرة خصوصا في الشعر وما يحدث اليوم من انتقاص من حقوق المرأة متعلق بالعادات والتقاليد وليس بالشريعة فلم تحرم الشريعة المرأة من قول الشعر والإبداع فيه واليوم المرأة تساهم في بناء المجتمع بصورة كبيرة فهي تعمل وتخرج من بيتها وتشارك في الهيئات الثقافية والمنتديات الأدبية وأتاحت وسائل التواصل لها فرصة واسعة للمشاركة فسمعنا بشاعرات كثر من مختلف الأقطار العربية من خلالها وقرأنا لهن شعرا ممتازا ذا قيمة إبداعية عالية وأنا لا أؤمن بمصطلح أدب نسوي فالشعر هو الشعر سواء كان صاحبه رجل أم أنثى وهو يعبر عن فكرة وشعور وهما موجدان لدى الشخصين سواء بسواء فكيف نفرق بينهما أو نفصلهما عن بعضهما البعض

** القصيدة لديك تحمل بعدا ذاتيا وبعد وطنيا وبعدا إنسانيا هل حدثتنا عن أبعاد قصائدك ؟

بشعري أهتم بالتعبير عن أفكاري ومشاعري الخاصة والأحداث التي تقع ضمن دائرة الذات ولكن هذا لم يمنعني من التعبير عن القضايا الوطنية والمجتمعية والقومية والإنسانية ولذلك حفلت دواويني الكثيرة بالحديث عن مجمل هذه القضايا ولكن أيضا أهتم بما لم يهتم به الآخرون ولا يلتفتون إليه عادة فأنا أبحث في الهوامش والظلال والزوايا المعتمة للحديث عنه دائما تشغلني جدة الفكرة والحديث عما لم يتحدث عنه سابقون ..

**هل هناك فارق بين شعراء المهجر و الشعراء المقيمين في الوطن من حيث الإحساس و الشوق و الحنين والتأثر بكلمة (وطن) ؟

دائما ما يكون المحروم من أمر أقدر على تصوير حنينه له أو توجعه منه أو احتياجه إليه ولذلك شعراء المهجر أكثر قدرة على التعبير عن حبهم وشوقهم لأوطانهم ممن يعيشون فيه فهم يعانون من الغربة وألم الفراق والحياة في مجتمعات غريبة عنهم في لغتها وعاداتها وقيمها ولذلك هم يشعرون بمدى احتياجهم للعودة لاوطانهم والعيش فيها ويصورون عذاباتهم وىلامهم وأشواقهم بصورة أقوى مؤثرة وهذا ما لمسناه في كل شعر شعراء المهجر من أمثال جبران ونسيب عريضة وإليا أبي ماضي ورشيد أيوب وفوزي معلوف وغيرهم كثير .

18_ كلمة أخيرة تحب أن توجِّهها للقرَّاء ؟

أريد أن أقول للقرَّاء الكرام ابتعدوا عن الأحكام المطلقة والصارمة والقاطعة وتجنبوا المبالغة في امتداح النصوص والشعراء فربما كان ذلك سببا في غرور من تحبون فيظنون أنهم وصلوا لقمة الإبداع فيتوقفون عن بذل الجهود ومواصلة الطريق فتضروهم من حيث ظننتم أنكم تنفعونهم والشعر مسألة ذوقية ونسبية فما يعبك قد لا يعجب غيرك وما لا يعجبك قد يعجب غيرك ولولا احتلاف الأذذواق لكسدت الأسواق ولا تحكم على شاعر من خلال الآخرين بل اقرأ شعره فقد يعجبك . وكونوا في كل ذلك وسطا فخير الأمور الوسط .ولا شاعر إلا وهناك من هو خير منه وفوق كل ذي علم عليم .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!