بقلم : منال الشربيني
مقدَّم إلى منصة نادي طلعت حرب/ العجوزة/ القاهرة.
….أنا لم أكذب
أنا لم أغلق أذنيي عن سماع كلمات الحق
أنا لم اغتب أحد
..
أنا لم أسلب الآخرين ممتلكاتهم بالإكراه
قوانين الماعت ال٤٢
صدمني العنوان، فرجعت خطوتين إلى الوراء، وقلت في نفسي:” ما هذا؟”
حيث دائما ما يحيلنا العنوان، إلى التخمين لبعضٍ من مضمون الكتاب، لغةً، وتمكنًا، وهُوية نص. ولكن، لعدم اطلاعي الجيد على العالم السفلي للأغاني ” الهابطة”، وجدتني ألتمس العذر للكاتبة القديرة، التي اتخذت من العنوان مدخلا مُضلِّلًا، يوحي بركاكة المشهد العام للعالم، الذي أصبح أصغر مما نتخيل. حيث ألصقت عار الواقع، متمثلا في الأغاني الهابطة، “انتي أي كلام”، مثلا، ليصنع بداية مضللة، حملها غلاف مجموع مقالاتها، كمعادل موضوعي لاختلاط الغث بالسمين، ومَن غير اللغة، يمكن لها أن تحمل مثل هذا الهمّ، لتدخلنا إلى عوالم نتفق جميعا، إلا قليلا، إنها اهترأت، وتناقلها العقل الجمعي دون تفكير، فالعنوان في نصفه الأخير يشير بطرف خفي إلى أغنية ” انتي أي كلام، التي تتضح دلالته حين نصل إلى ص ٢٢، وهنا اسقاط علي كل ما أصاب مجتمعنا من هوان، اختلط فيه الحابل بالنابل: الفصحى بالعامية/ الساقطة، واختلف مفهوم لفظة امرأة بين فتاة، وعانس، زوجة، ومطلقة، بشكل جعل للأرملة على المطلقة درجات، بما أفتى البعض من فئة” أبو العريف، الذين، فيما أرى، اختصوا المنابر بمنح الفضل للأرملة، دون المطلقة، فانتهك العقل الجمعي المرأة المطلقة، في كل محفل، فذبحوها علي المنابر، تماما، مثلما ذُبِحت اللغة العربية على منابر أهلها، ممن يمتطون ظهور المنابر، من باب” التدرج الوظيفي”، لا عن عميق علم، ووعي..
ذلك اللبس في المفاهيم، وما نتج عنه من تدنٍ أخلاقي لمسناه واقعا بالفعل بعد أحداث يناير ٢٠١١، وهو أمر رصدته الكاتبة هنا؛ رؤية، وأسبابًا، وتوصيات، وحبًا، وغيرةً على وجه مصر الحضاري الإنساني، وهذا، ما جعلني أتقدم بقوة، لكي أجلس إلى هذه المنصة، بل إلى كل المنصات، لأدشن بحضوركم جميعًا كتابها، تأكيدًا على تميزها، في عالم غابت في معظمه قيم الجمال والفن وأصبح فيه الإبداع مقرونا بالتعري لغة، ومشهدية، وإلا يحكم عليه البعض بأنه “مرفوض، ده ميبيعش!!”..” لازم يكون كلامه جرىء شوية، لازم يبقى فيه إيحاءات جنسية، وكده… عشان ياكل في السوق!!!!.. وهنا، أترك لك ذي قيم، ودين التعليق.
وهنا أعلق بعد اتفاقي على الانفلات الأخلاقي الذي شهده المجتمع المصري عقب أحداث يناير، بقولة واحدة:” أنت على خلق، إذن فأنت صاحب دين: ” الدين حسن الخلق.”
رصدت الكاتبة في مقالاتها مواضيع هامة، ربما قتلت بحثًا، من قبل العديد من الكتاب والبحَّاثة، ولكنها هنا، تخاطب بلغة تقريرية، ورصد للواقع، آفات أدت إلى انتشار الجريمة، واستباحة الأرواح، وتفكيك الأسرة، وخروج الأمور كلها عن نصابها: زنا المحارم، الانتحار، القتل، الشذوذ، و…، و ما إلى ذلك.
وثقت الكاتبة في كتابها، ص١٢-١٣ إنه ” وبداية من “قوانين الماعت” ال ٤٢ التي وثق لها المصريون، منذ تشكُّل الحياة، في كتاب” الخروج إلى النهار/ كتاب الموتى”، قبل ٢٠٠٠ سنة، وبعد ظهور تعاليم بتاح-حتب، لم تختلف الأعراف، والتقاليد، ومكارم الأخلاق، عن تعاليم الدين في أي من الكتب السماوية، كما إنها لاتختلف مع العادات والتقاليد المتعارف عليها فيما بيننا جميعا، هذا بالطبع في عالم الأسوياء.
كما وثقت امتعاضها من المفاهيم المغلوطة حول ألقاب بعينها، اختلفت معايير الناس في التعامل معهما؛ ٠عانس، أم مطلقة”، وهنا لابد أن أشاركها الامتعاض، والتذمر من تلك الأحكام المطلقة التي درج عليها العقل الجمعي للمجتمع، حيث اقترن لقب أرملة بالفضيلة، بينما يعد لقب مطلقة المعادل الموضوعي لصاحبات الرايات الحمر!!
اتكأت في كل مقالاتها على الموروث الثقافي بداية من الحضارة المصرية القديمة والنقوش التي تشهد لمصر بأسبقية الترسيخ للعلاقات بين البشر، وتكريم المرأة، ولا أدل على ذلك من شهادة ” ماكس موللر” الرحالة اليوناني،، حيث رصدت الكاتبة شهادته:”
يقول موللر:
” ليس ثمة شعب قديم أو حديث قد رفع منزلة المرأة مثلما رفعها سكان وادي النيل…”
فترسخت العادات والتقاليد التي عليها معظم العرب على مر العصور، إلى أن جاء الإسلام فشد على أيدي أجدادانا، مؤكدا ضرورة تكريم المرأة،
واقعية جدا تلك المواضيع التي ناقشتها الكاتبة الجادة في كتابها؛
” وإن خفتم فواحدة” شريطة العدل، وهنا، حدِّث، ولا حرج، حيث ترى قمة الجهل، حين نجتزىء الكلام من مواضعه، ونتناسى عبارة إلهية مهمة هي:” … ولن تعدلوا، وإن حَرَصْتُم”، أي أن الأصل في الأمر هو” واحدة”.
” أمهات مصر. ضحايا الهوى”…
وهنا نقف عند لفظة الهوى.. للوهلة الأولى، ومن باب اللغة، تعني العبارة أنهن ضحايا لأهوائهن، أو نزواتهم، فالهوى لغة يعني : العشق/ والرغبة..
ولكنها مرة أخرى، يضللنا العنوان، وما إن نفتح النص نراها تقصد إنهن معتدىً عليهن، كونهن ضحايا أزواج يهددن طوال الوقت، إما بالتطليق، أو الزواج بأخرى، أو أخريات،
وهنا حدث ولا حرج عن كل ما قد يصيب الأسرة من دمار نفسي …عرجت
تحدثت أيضا عن كفاءات ولا شهادة، وشهادات ولا كفاءات..
الحياء
نجمات مصر.. أين أنتن من مواصفات النجوم؟
…. وبيقولوا….
هي أزمة أخرى، بل جائجة، أشد فتكا من “كورونا”، تناولتها بالشجب، والامتعاض، مقالات الكاتبة
وكان على رأس المقالات مقالها المعنون:” حروب الوعي…(دور الفنون في تشكيل الوعي)
وهنا اسمحوا لي أن أدعو الكاتبة مشكورة بأن تتفضل بقراءة مقالها القيم حول أزمة على حضراتكم…
ومرورًا على المقال المُعنْون ” في بيتنا قراءة”، وتجربة جارتها الرائعة التي لعبت سيمفونية فردية في محاولة منها لترسيخ قيم ابدأ بنفسك.. نجد أننا جميعا لابد أن نفعل تلك العادة، ونعمل على ترسيخها في العقل الجمعي، كيما تصبح أمرا مفروغا منه، بل مقدسًا يقوم به الناس، ليصبح، تدريجيا، جزءا من الموروث للأجيال القادمة.
أما مقالها الذي تناول أزمة الوعي والمعنون ب( الخطاب الديني…) حروب الوعي فقد رصدت لنا فيه معاناة البشر مع بعض القائمين على تشكيل الوعي الديني، والعقائدي بين الناس، بداية من ” كهنة فرعون، واستهانتهم بعقول المصريين، وعمليات السلب، والنهب، والتضليل، التي تمت باسم الآلهة، مرورًا بالحاخات الذين روجوا بين الناس أ الخروج عليهم خروج على الذات الإلهية. ثم تطرقت إلى السلطة الكنسية التي فاقت كل حد للطغيان، فأصبحت تنافس من أجل الهيمنة، على السلطة في أوروبا في بداية العصور الوسطى. مما نتج عنه الدخول في عصور الظلام، والتدهور في كل شيء، وظهر بينهم السحرة والعرافين، في الوقت الذي ازدهر فيه الإسلام، إلى الوقت الذي خرج علينا، فيه، الخارجون بالفتاوى، التي زادت الطين بلة، وخرجت فتاوىً، تدحض أخرى، وشاعت الفتن، وطالب البعض بتجديد الخطاب الديني، ففهم البعض إنهم إنما يلمحون إلى دين جديد.
أما فيما يتعلق بمقالها ٣١
(شهادة دكتوراة ودرع تكريم)
لي هنا وقفة…أذكرها للتاريخ:
” حين نحصل على التكريم، بأي شكل من الأشكال، لابد لنا أن نسأل أن أنفسنا:” من يمنح من؟” فإن جاء التكريم، لقبًا، أم غيره، من جهة علميَّة يعتدُّ بها العالًم المُكرَّم؛ يرتضيها مظلة فوق رأسه، هنا يكون للتكريم، هيبته. أما غير ذلك، فبئس المانح ، والممنوح.”
1- أنا لم ارتكب خطيئة
2- أنا لم أسلب الآخرين ممتلكاتهم بالإكراه
3- أنا لم أسرق
4- أنا لم أقتل
19- أنا لم ألفق تهمة لأحد
20- أنا لم أغضب بدون سبب
21- أنا لم أغو زوجة أحد
22- أنا لم أدنس (ألوث) جسدى
23- أنا لم أقم بإرهاب أحد
24- أنا لم أخالف القانون
39 – أنا لم أنبش القبور ولم أسئ إلى الموتى
40 – أنا لم أخطف لقمة من فم طفل
41 – أنا لم أتصرف بكبر وغطرسه
42- أنا لم أخرب المبانى الدينية (المعابد)
الخلاصة:
هذا كتاب صدر عن وعي جيد بمجريات الأمور، ذي نظرة ثاقبة، حيث جاء موثِّقا لقضايا تحتاج منا جميعا إلى وقفة جادة، أساسها” ابدأ بنفسك”، وموثِّقَا؛ إذ لم تأت الكاتبة بشواهد عشوائية، بل اتكأت في كل ما طرحته على مائدة المتلقي على الموروث المصري القديم. قانون “ماعت، چيمس هنري بريستيد في كتابه “فجر الضمير”، وعلى أقوال الأعلام المعتد بآرائهم، ماكس مولر/ الرحالة اليوناني،ديودور الصقلي، فيما يتعلق بشرط طاعة الزوج لزوجه، وصولا إلى الاستشهاد بالكتاب المقدس/ الإنجيل، والقرآن الكريم، ووصايا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بكل القضايا التي تناولتها المقالات التي ضمها هذا الكتاب القيم، معبرًا، عن حالة استياءٍ، عامة، اجتاحت كل الأسوياء.
هذه بعض قراءتي ل ” كلمات، في زمن ال( أي كلام)”، الكاتبة القديرة دينا شرف الدين، نفخر بها، ومن حق مصر أن تفخر.
…