كتبت. الأديبة ثريا السيد. قراءة نقدية. (السابعة صباحا)

لآفاق حرة

السابعة صباحاً
قصة قصيرة للأديب محمد فتحى المقداد
كما قال الكاتب “بيتر كلارك” الكتابة الجيدة هى التي تبرز واضحة وموجزة وتجعل الأفكار سهلة الفهم وتجعل من الأشياء العادية مهمة ومثيرة للاهتمام.
نحن الآن أمام قصة تستحق الدراسة والاحتفاء بصدورها للكاتب محمد فتحى المقداد
“السابعة صباحاً” وقت زمنى أختاره الكاتب لقصته القصيرة الواقعية الاجتماعية الانسانية والتى تحدثنا عن هشاشة الحياة البشرية ، تفاجئنا تقنيات القصة القصيرة بالتقنية الأولى العنوان وهو عتبة النص” السابعة صباحاً ” جاء العنوان جاذب ذو احتمالات عديدة ولكن أول احتمال وقع فى ذهن القارىء هو موعد باكر للصحو وللعمل وللخروج من المنزل للجرى وراء لقمة العيش للعمال والكادحين هذا ماتبادر فى ذهنى للوهلة الأولى وصدق حدسي فنجح الكاتب فى اختيار العنوان نجاحا كبيرا .
فاجئنا الكاتب عدة مرات وأدهشنا بعنوانه “السابعة صباحاً” بدأ بها الكاتب عنوان قصته وانتهى بها فتلك الساعة هي أمل السائق بالوصول لمحله ووضع الخضروات به ، وانتهى ايضا به حين طرق عليه ملك الموت زجاج نافذة سيارته فلم يتمكن من الوصول لموعد السابعة صباحا وفتح محله بالموعد المحدد سابقاً وهو ايضا السابعة صباحاً.
بدأت القصة بمفاجأة سعيدة فى على الطريق وهى حصول أحد الفقراء على كمية من البندورة وقعت من باب خلفى للسائق “ناجح” وحمد الرجل ربه وشكره على نعمته وفرح بأن البندورة ستكفى بيته يومين متتاليين وهذا يوضح مدى فقره ، وانتهت القصة بمفاجاة ايضا للسائق الذى سقطت بندوراته على قارعة الطريق بملك الموت يدق عليه نافذة سيارته وينهي حياته بعد معاناة .
الكاتب استخدم تقنية الموروث الشعبى عن جاره المشهور وسط جيرانه بقوة الحسد وعينه التى تقطع الارزاق، وتذكره لرؤيته قبيل صلاة الفجر والتقاء عيناه بعينه تحت اللمبة التى تضىء منزلهما ، هو جاره أبو صبرى من فعل فعلته وحسده قبل الصعود لسيارته للجرى وراء لقمة العيش ، ثم حدث ماجرى سقوط خضاره على قارعة الطريق وحين نزوله لترتيب وجمع الصناديق اصطاده الشرطي وكتب له مخالفة لاعاقة الطريق وعرقلته ، ثم حدثت الطامة الكبرى وتعطلت السيارة ووضع تحت الدولاب الامامى والخلفى حجارة ليضمن عدم انزلاقها ثم ادار مفتاح الراديو فانساب صوت القارىء عبد الباسط (الا بذكر الله تطمئن القلوب ) فهدأ قليلاً من التوتر ومن المعاناة التى شاهدها وهو يقطع مسافة خمسين كيلومتر قبل فتح محله الساعة السابعة صباحا ، وفى النهاية يفاجىء بملك الموت يدق زجاج نافذة سيارته
وكأن الكاتب يصف رحلة حياة تسير وسط معاناة شديدة وكفاح وتنتهي فى النهاية بالموت .
السرد بليغ والتتابع متسق والبنية الدرامية محكمة وإذا كانت أحد جوانب القصة القصيرة الحبكة والدهشة والتكثيف ووجود الفكرة والتناص والانسنة والتنويع فقد وجدتها كلها مجتمعة فى قصة “السابعة صباحاً ” وإذا كان الهدف من الكتابة الابداعية والادب عموما الاستفادة والاستمتاع فأشهد بانني استمتعت بقراءة نص باذخ بمفردات لغوية وتعبيرات وصفية وجمل شديدة الخصوصية، ربما لان الكاتب مجتهد وواعى ومهموم بقضايا المجتمع وفى النهاية كل التحايا والتقدير للكاتب “محمد فتحى المقداد “ونتمنى له المزيد من الابداع ومزيد من الانتاج القصصي البديع.

*****.
النص المقصود بالقراءة النقدية:
_______

السّابعة صباحًا

قصة قصيرة
بقلم. محمد فتحي المقداد

المفاجأة ألجمت لسانه عن الشُّكر لله. شدَّ من هِمَّته بلا تَوانٍ لمُلاحقة حبَّات البندورة المُتدحرجَة بحريَّة مُطلَقة من أعلى المُنعطَف المُنحَدِر إلى قاع المدينة. اِمْتلأ كِيسُه. حدّثته نفسه برضا كامل. سيطرت عليه بُشرى الفرح منذ ساعات يومه الأولى مع تسرّب خُيوط الشَّمس: “الحمد لله الذي رزقني من غامِضِ علمه، وساق لي مؤونة بيتي ليوميْن قادميْن”.
هناك، عندما اِنْفتح الباب الخلفيّ لسيَّارة تنقلُ الخضار والفواكه. ما إنْ اِسْتطاع السَّائق التوقُّف على يمين الطَّريق عند رأس الطُّلوع القاسي، اِصْطفاف درَّاجة شُرطيّ المُرور أمامه عكّر مزاجه زيادة على ما بداخله من صراعات. ترجَّل الشّرطيُّ وبيده دفتر المُخالفات والقلم بداخله، بلا سُؤال ولا جواب. ناول “ناجح” إشعارًا بمخالفة أنظمة الأمان على الطُّرقات، وعرقلة وإعاقة حركة المرور في شارع رئيس. على مَضَض اِبْتلع غَيْظه، بهمَّةٍ مصحوبةٍ بلُهاثِ أنفاسه الحرَّى لَملَم ما تناثر من الصَّناديق، وأغلق الباب عليها بعد أن أحكم تنظيمها وترتيبها بتراصٍّ مُتقن.
اِمْتلأت رِئتاه بالأوكسجين بعد أن سحَبَ نفَسًا عميقًا، ثمَّ طرح زفيرًا مصحوبًا بتأوُّهٍ عميق. بدَت حركات صدره الصَّاعدة والهابطة قد هدأت قليلًا. اِطْمأنّ لمُعاودة رحلته الطَّويلة آمِلًا بالوصول إلى قريته، وعينه على السَّاعة المُثبَّتة ذات الأرقام الإلكترونيَّة بلونها الأحمر المُستفِزِّ. الأمل بقطع مسافة الخمسين كيلومتر قبل السّابعة صباحًا. اِسْتغراقه بتفكيره وهو يضرب أسداس بأخماس بقيمة المخالفة، حدّث نفسه: “الله لا يوجِّه الخير للشرطيِّ، ضربتان بالرأس موجعتان. خسَّرني وحرمني من أيِّ ربح في هذه المرّة… بل لا بدَّ أن أزيد عليه من جَيْبتي”. هدير المُحرِّك تباطَأ عندما رفع رجله عن دوَّاسة السُّرعة مع بداية نُزولٍ قاسٍ إلى الوادي السَّحيق. اِهْتزاز المركبة وماجَت قليلًا يمينًا ويسار؛ اِنْتشله في اللَّحظة الأخيرة من اِسْتغراقه في لُجَّة أفكاره الهائمة؛ ليُبادر بإحكام سيطرته، مع اِنْتقال رِجْله للضغط على المكابح برفق وحَذَر، أخيرًا اِسْتطاع التوقّف على يمين الطّريق، ووضع حجرًا أمام الدُّولاب الأماميِّ، وآخَر أمام الخلفيِّ؛ لضمان عدم حدوث اِنْزلاق ولو بسيط. أحضر عدّة تبديل الدُولاب الخَرِب، ليتمكّن من قطع العشرين كيلو متر الباقية.
عادت إلى مُخيِّلَته صورة وجه جاره “أبو صبري” أثناء خروجه إلى مسجد الحيِّ الصَّغير قُبيل صلاة الفجر بأقلّ من ساعة، وتلاقت نظراتهما تحت اللَّمبة التي تُنير عتمة الزَّاوية أمام بُوّابتَيّ بيتهما.
تُحدّثه نفسه: “أعوذ بالله من شرّ عَيْنه، الآن أدركتُ سبب تصرفات أهل الحارة بتجنُّبه وتحاشيه إلَّا للضرورة القُصوى. أُخطِّئ نفسي على تلويمي الدّائم على من كان يلوكُ سيرته بأيَّة كلمة”. اِنْهمك في تلاوة آية الكُرسيِّ والمُعوَّذات لِطَرد شرّ شَبَح عين الجار. شُرود ذهنيّ اِسْتحضر حكايا قديمة عن حوادث. اِمْتدَّت يده إلى مفتاح الرَّاديو. وكأنّ السَّماء اِنْشقّتْ عن صوت الشّيخ “عبد الباسط” بتلاوة قصار السُّوَر. هدأت حِدَّة الهواجس، وطردت أكوام القلق، وفاض جوُّ السيَّارة بروحانيَّة عبَّقتْ لدقائق في رأسه.
عادتْ كلمة أحد الجيران بحضورها قويَّة تُزاحم الشَّيخ “عبد الباسط”؛ فجعلته يغفل ويغيب عن وعيه: (والله لَئِن مات “أبو صبري” لن أكون مع مَنْ يُصلُّون على جنازته). اِنْتفضَ مذعورًا من تداعيات ذكرياته، واِهْتزّ جسده بارتجافٍ عنيف: “يا إلهي عندما توفّي ذلك الرجل في اليوم الثاني لمقولته بحقِّ جارنا. وصلَّيْنا عليه معًا”. تخايل له صورة ملك الموْت يطرُق عليه الزُّجاج الأماميّ. توقَّف من جديد ولا نيّة بمتابعة طريقه، ونسي موعد افتتاح محله في السّاعة السّابعة التي ستحلّ بعد عشرين دقيقة.

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

2 تعليقات

  1. كل التقدير والاحترام والمحبة لكما كاتبا وناقدا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!