محمد فتحي المقداد

كتب محمد فتحي المقداد. قراءة في رواية “ياسمين سومري”

لآفاق حرة

قراءة في رواية
“ياسمين سومري” للكاتبة السورية “سمر الديك”.

بقلم. محمد فتحي المقداد. سوريا

رواية “ياسمين سومري” من الأعمال الروائية التي بعد الحرب السورية الطويلة، وهي تنتمي لجيل روايات تتسم بوصف واقع الحرب ومآسيه، وفي المشاهد الأولى من الرواية، كانت من خلال ما شاهدته بطلة الرواية هيفاء عبر النافذة وشرفة بيتها، وفي عوْد على بدء، يلاحظ هناك وقت الحدث الروائي، ووقت آخر هو وقت الكتابة، الذي استمدت “سمر الديك” منه قصة رواياتها، والتي استعادتها من مخزون ذاكرتها، وفي سرديتها الروائية المختلفة زمنا تباعد عن وقت ولحظة وُقوع الحدث ومشاهداتها، جعلت القارئ يستشعر طبيعة مخزونات ألمها الداخلية، وتُجدّد استعادة الأيام الأولى للثورة السورية ٢٠١١. واستطاعت إعادة تقديم ما مضى بكافة إشكالياته لتضعه على طاولة البحث والتفكير.
وفي الفصل الأول سردت قصة الأسرة الصغيرة وتفاصيلها بما اعتبر استهلالا معقولا للوصول إلى بؤرة الحدث المُشكل لخطوط الرواية العريضة، ولم تُغفل طبيعة الصراع ببدايته داخل الأسرة، بين بطلتها الزوجة (هيفاء)، وبين أخت زوجها البنت غير المتزوجة (سوسن)، التي لم تخف الغيرة والحسد لهيفاء زوجة أخيها المهندس (عصام)، وهذا شيء طبيعي بالحدوث داخل الأسر والعائلات،
ومع بداية الفصل الثاني الذي فاجأ القارئ، بالانتقال السريع من داخل الأسرة الصغيرة إلى موضوع المظاهرات وأصوات المظاهرات بالهتافات المناهضة للنظام، وجاء الرد بالرصاص الحي، وما نتج عنه من سيلان الدماء والقتل. وسقوط الشهداء الذي نادوا بالحرية. وفي اقتباس من الرواية حكت على لسان إعلام النظام: (كانت المدينة التي تسكن فيها عائلة هيفاء، آمنةً خالية من الإرهابيين والرجال الملثمين الغرباء، ولم تزحف عليها جيوش المؤامرة الكونية الكبرى التي بدأت فصولها المسرحية تعرض على الشعب السوري والعالم بأجمعه، لتبرير أعمالهم الشنيعة) ص٢٦.
عند هذه النقطة لا بد من التوقف بمتابعة الرواية الحكومية التي أطلقت على المطالب الشعبية الواسعة، بأنهم عصابات إرهابية خارجة عن القانون، وبهذا التوصيف يحق للدولة قتالهم واستئصالهم. وهو ما جر البلاد إلى بحار من الدم والدموع.
وتتابع الرواية حتى النهاية في مسارات الخوف والقلق والموت والدمار، والهروب إلى الملاذات الآمنة طلبا للنجاة. وما تبع ذلك من مآسي اللجوء إلى دول الجوار، وأوروبا وأمريكا، هذه المخرجات الأليمة للحرب الظالمة الني شنها النظام على الشعب السوري.
ومن غُرفتها فتحت “هيفاء” بطلة الرواية نافذة غرفتها لتكون شاهد عيان، لتنقل ما تراه يقينًا:
*(فتحت نافذة الغرفة لتجد ذبول شجرة الياسمين بسبب أن هناك من اقتلعها من جذرها) ص١٣.
*(ونظرت إلى الحديقة، فإذا برجل غريب قد قام بزراعة شجرة ياسمين جديدة مكان الشجرة القديمة التي قلعها المجهول، فالتفت إليها مبتسماً، فاخترقت بسمته هذه شغاف قلبها ، ثم أدار وجهه وغادر مختفياً عن أنظارها وهي تلاحقه بنظرات تجهل كنهها.) ص٢١/ ٢٢.
حقيقة لم توضح طبيعة الشخص الذي اقتلع الشجرة، والأسباب الذي جعلته يدخل حديقة البيت المُسوّرة، وهي طبيعة المدن التي تمتاز بالأسوار والأبواب، الإنسان العادي لا يستطيع دخولها إلا بعد فتحها له.
*وفي موضع آخر بعد أزاحت ستارة النافذة لمتابعة الحدث: (قبل أن تغلق النافذة، شاهدت رجلاً ينزف بغزارة، يقوم ويسقط، والرصاص ينهال عليه بلا رحمة، ما إن سقط على الأرض، حتى نظر إلى الشرفة التي كانت خلفها هيفاء، رمقها بنظرة عتاب أوجعت قلبها، واستخرج من جيب قميصه الممزق والملطخ بالدماء، زهرة ياسمين لوث بياضها دمه الحار، ولوح لها بها، وسقط بلا حراك). ص٢٥.
عادت هيفاء لتحليل الحدث بعد أن لوّح لها الرجل بعرق الياسمين: (تفكر في الرجل الذي سقط ميتًا، وهو يُلوّح لها بزهرة ياسمين، وسرعان ما تذكرته، إنه ذلك الرجل الذي أعاد شجرة الياسمين المقطوعة إلى مكانها، وهو رجل الياسمين؛ فأطلقت عليه رجل الياسمين) ص٢٦.
كما بقيت هوية الرجل مجهولة، وهو الذي زرع شجرة الياسمين بدل التي اقتلعها آخر أيضًا مجهول، وكأنما أرادت الكاتبة إبقاء القارئ متابعًا، متمسكًا كتجذر الشجرة بالأرض، وااتي قطعت هي إشارة لمن سقط شهيدًا.
أخيرًا فإن هذه الرواية تعتبر سجلا حافلا وثق جزءا هاما من حياة الشعب السوري بصدق وأمانة، لتبقى وثيقة قدمها شاهد عيان للأجيال القادمة بلا غش وتزييف للحقائق. وبأن الثورات يقوم بها الفقراء، وحين تنتصر، يموتون، ليبقى المنافقون يتسلطون على الرقاب، يخرج المنافقون، والتافهون، من شقوق الأرض، ويصبحون أبطالاً حقيقيين، دائما تُسرَق الثورات، ويتحول أبطالها المُزيّفون إلى رجال يمسكون بقبضة من حديد رقاب الشعب.

١٢/٤/٢٠٢٥


الأديبة. سمر الديك

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!