……………….
حين تتجلى الحكمة بثبات ، وتتناغم مع الموسيقى المستوحاة من واقع الانسان المرير ، يصل الشعر الى ذروته ، من دون مزايدات او مراهنات على القصيدة ، التي تتحدث عن خلجات النفس وتتيح فرصة لانبثاقها وبعثها من جديد مع الكلمة التي تركن الى الالم والجوع والحسرة والخوف والفخر والنضال والمحبة والكره والشره والسلام ، كلها بتقاطيع دالة ومتواصلة في عمق النفس البشري ، هكذا عبر الشاعر العراقي ابومهدي صالح ، في نحته للبحر البسيط ، وهو يعيده للشباب بعد ترهلات التي حدثت عليه في الزمن عبر زمن نحت اللسان العربي واسقط منه مفردات جميلة عدت قبحا وقبيحة صارت جميلة ، ليعيد للبحر نظارة وجهه ورونق شبابه، حدث ان بعض الشعراء ، اعترضوا على هذا النحت ، واكثرهم من العراق ، لكن اصرار الشاعر على المضي في عمله بتلك الادوات والتي تعيد رونق البحر وشبابه للوجود، على الرغم من التحديات وخاصة ان بعض الصحف والمجلات رفضت نشر القصيدة التي تحمل صفات النحت ، وان كان نحتها بالعنوان الوظيفي ايضا ظهر حين ميز بين الجمهور والسلطات ، واخذ ينحت معنى الانسانية بالكلمة من جديد موضحا علاقة المنحوتين مع بعضهما بين القبح ( السياسة) والجمال ( الشعب والبحر) فقدم لنا النحتين باجمل وصف وسنوضح مايلي :
النحت بالوزن ( الموسيقى ) والمعنى معا
نحت الشاعر ابومهدي صالح الوزن بالبحر البسيط تفعيلتين ( مستفعلن ، فاعلن ) وقام بعملية النحت احدى في الاصل والاخرى بالمنحوت – ان جاز المعنى – اصلا ، اي نحت في تفعلية لم يحدث فيها تغيرات ، وهي ( مستفعلن ) واخرى ( فاعلن ) عمل فيها نحتا بسيطا ، وهي راكنه بالطي ، ومستبيحة من الزحاف ( فعلن///٥) ليضعها بنحت موسيقي خفيف ( /٥/٥) ولنستمع للبيت الاول في القصيدة :
مستنفعٌ قد يرى مافي حيازتنا
ملكُ له والناس كلهم تبـّـعُ
أ – تفعيلة : مستفعلن
١- نحت القطع
لم يجعل العجز كاملا بلا نحت خوفا من عجزه الى اتيان المعنى بصورة صحيحة، فنحت الاشباع بـ( له) وجعل الخفة في في والناس، بين حذف نون مستفعلن ، وجعلها انطلاقية الحركة منحوتة النون وكأن المعنى يبحث عنها بذاتها الملك هو القاطع ، والناس بخفتهم مقطوعين وجعل اخيلة الحاكم الناطقة ، بأن كل ما تملك الناس ، فهو تابع للحاكم ان شاؤوا ام أبوا فان الحيازة للحاكم الذي لم يصرح به حاكما بل قال مستنفعا يدل على طفلية الحاكم في العيش على الناس ، وان النون قطعت من املاكهم ذاهبة لاملاك الحاكم لتذهب نونا بأعتبارات الانين والوعاء الذي اعتاد ان يدرسه الشاعر في الابتدائية ان النون ( طاسة) وعاء وفيه زبدة ولبن ، وكأن النون هي المعاش الحقيقي للعراق ، وهي رمز للضرع الذي ينتج الحليب ، وهي حضن الام التي تعطي امان ، فلا ضرعا ولا امانا ، بقطع النون:
فَالظـَّالِمُ مَهْــــما تَطـُـولُ يَــــدُّهُ فِي
طـغْيَانِهِ يّأتِي يَــــوماً لِتُــقَـفَّـــــــعُ
قطع نون الطغيان كرد فعل بوجود ، ان من يقطع ارزاق الناس ويعبث بيده بامانهم ، لابد ان يده سوف تقفع ، واليد دليل للسلطة واشارة للقوة انها ممها تكون ، فاللعب بارزاق الناس ، لابد له من نهاية ، قد يشير الى قول علي بن ابي طالب (( ينام الرجل على الثكل ولاينام على الحرب)) اشارة انه من الممكن ان الانسان يصبر على موت ولده ولكن لايصبر على موت رزقه او سلبه .
٢- نحت الليونة
ثم ياتي لينحت لنا ويرشق مستفعلن /٥/٥//٥ الى اسباب متتالية /٥/٥/٥ ، ليضع طراوة وليونة ، في التفعيلة كي تواكب المعنى وتعطى اتساقا ، انطلقيا لتركيب الكلمة:
متّى يُصَامُ على الدِّيْنَار شَهْركُـــمُ
صَارَ الصّــومُ على سِفَاحِها مُـرضِعُ
فقد صاغ تلك الليونة على السفاح والنكاح غير شرعي ، كأن من صام من اجل الشهرة والدينار لا العبادة كي يخدع الناس ، فهو مطروق هذا الصيام على السفاح ، ترضع الرذائل وتفشي الشر ، وان هذا الشيء يعود للخناثة والديوث ، يبدأ لينا معصورا دائما ، وهو تحذير ان بدا صوم الناس على الذل مرغوب كان نتيجة ان النفس اخذت تلين ولا تقاوم
٣- نحت الالحاق ،
وهو الحاق مستفعلن /٥/٥//٥ الحاقا تاما بالتفعيلة فعلن///٥ وكأن هذا الالحاق يرمز للمعنى بالكلية التامة لا الناقصة:
جَاءتْ إَليها داعشُ عَاهــــــــرةً
بِنْتُ السِّفاحِ ومِنْ بِنْتِ الزِّنا تَجْـــــمِــعُ
لقد الحق داعش بالعهر ، والزنا والسفاح، وبهذا نقل لنا عدم اكتمال التفعيلة لنقص بداعش دون سواها ، وقد يكون النقص عكسي ، اي انه يمكن ان يلحق مظلوم بمظلوميته وان لم يعمل به الشاعر وترك الالحاق للرذيلة ولم يعطي الحاقا للفضيلة.
ب- تفعيلة فاعلن
نحت بالحشو وفي العروض ، تفعيلة فاعلن ، والتي اصلها موجود في المتدارك انها تكون /٥/٥ بسببين ، الا ان الشاعر وضعها في البحر البسيط لتعطي قفزة موسيقية خفيفة للبحر تتناسق وتتناغم مع المعنى وقد اورد منها الكثير في القصيدة ، وكأنما يقول لكل متحرك بالكون سكونا:
لاتَسْمَحُ النَّارُأَنَّ المَاءَ يَشْـــربُ مَنْ
مُـوقدِها إِلاَّ فِي قـَهْــــرهِ تَنْقِـــــــعُ
النار ، لايمكن بمصطلح الكون ان تصطحب مع الماء ومتى ما جاء الماء متوددا يشرب من الموقد دفءً ، اصبح الموقد نقيعه ، وخمد كل شيء، وكأن الحكمة التي يقولها ، لا يوجد ضدان يعيشان معا ، لايعيش الحق مع الباطل ، الا بمعزل والمعزل لابد ان يأتي يوما ويبيد ويتسرب الماء للموقد ، واستخدم مفردة الماء دلالة الخير واستخدم مفردة النار للشر ، وان استخدمها بعض الشعراء للنور ، فكان التغيير في التفعيلة بالشطر الثاني اعطى هدوءا للشطر بعد صراع الشطر الاول بين الخير والشر،…..،
مع القصيدة استمتاع بالنحت وجمال المفردة اترككم
لشعبي اهدي قصيدتي
((حكــــــــــومتي ))
الشاعر ابومهدي صالح
———————————————————————-
مُسْــتَـنْفِعٌ قَــدْ يَرَى مَافِي حِيـــَازتِنَا
مُلــْكٌ لَــهُ وَالنّاسُ كُلُـــهُم تِبـــــَّعُ
مَاجَـاعَ مِصْـرانُهُ فِي بَيْــــتِهِ أَبـــداً
مَادَامَ مُصْــــراننا في فمهِ رِضَّعُ
لاتَسْمَحُ النَّارُأَنَّ المَاءَ يَشْـــربُ مَنْ
مُـوقدِها إِلاَّ فِي قـَهْــــرهِ تَنْقِـــــــعُ
فَالظـَّالِمُ مَهْــــما تَطـُـولُ يَــــدُّهُ فِي
طـغْيَانِهِ يّأتِي يَــــوماً لِتُــقَـفَّـــــــعُ
أَوْصَلّنِي فِي مَشْربِ العراقِ هَـوى
فَالنّارُ تَكْــوي مِنّي الضَّلعُ وَتَلْسِــــعُ
للهِ دَرَّ العـــراقِ كَـم عشـــــاقه في
فَــمِّ الرّدى حَسْرةً والمُوتُ موجّـــعُ
مُجرَّحُ في الفــؤادِ كَــبدهُ كَـــــوِعَ (1)
آهٍ تُصــارعُ فِي شـــَهيقِها أضْلــــــعُ
رأيْتُ في النَّاسِ عَــدْلاً مَا أكْــذَبهُ
والكــــذبُ أن يحكمَ فَالشّرُّ يُوَسِّــــعُ
مَابَــالَ حُكـْمُ الطُّغَاةِ فِي حَيَـــاتِكُمُ
ثَوبٌ سِــمَالهُ مِنْ أبْدانِكُمْ مـوضِـــعُ
أَخَالُ مِنْ صَمْتِ الدّيُوثِ صوتـكُمُ
وَمِــنْ خنــاثـتهِ ثِيَــابُــكُمْ رِقـّـــــــــعُ
متّى يُصَامُ على الدِّيْنَار شَهْركُـــمُ
صَارَ الصّــومُ على سِفَاحِها مُـرضِعُ
أدْمَعْتَ عَيْني مُصْطَفَى(2) ومَادَمعتْ
إِلاَّ رأيْتُ الحُسَـــــيْنَ فِيْكَ قـَــدْ بِضِّـــعُ
كَأَنَّ زَيْنَبَ بأَرْضِ الكُوفةِ حَمَـلتْ
فَلّوجةَ اليومَ تَطْغَى في غَـــدٍ شِــــيّـعُ
يَبْقَى دَمُ مُصْطَفى مَنَارةً وهُـدى
يُنِيْرُها للتَشَيّعِ كَالــكُوفةِ مَرْجـــــــــعُ
جَاءتْ إَليها داعشُ عَاهــــــــرةً
بِنْتُ السِّفاحِ ومِنْ بِنْتِ الزِّنا تَجْـــــمِــعُ
تَزْنِي هنا ثُمَّ فِي غير المكان ترى
ذَبْحاً على مُلّةِ سوّاعها تَصْـنـــــــــــعُ
في سَاعةِ المُوتِ أَنْتَ غَيرسَائِلِهِ
وَالحشْرُ ذاكَ بِها كُويْتُها تـَدْفِــــــــــــعُ
قـَدْ لايرى مَنْ لَمْ تَسلْ دِمَاءَهُمُ
عَيْنٌ وقلْبٌ حُسَيْنانِ الهوى تـَـدْمــــــــعُ
أسْـــلَمْتُمُ الرُّوْحَ للبَاري صَائمةً
للهِ درّكُــــــمُ أرْواحــــكُمْ خُشـّـــــــــعُ
هـذا يريد بنا شــفاء من حقـــــدٍ
يَشْـفى بِسَمْعه سبـــــَّي وما يَســــْمِعُ
وذا يَلُــوحُ بِـكــــفـِّهِ متى بِـكُـــمُ
يَحِلّ مــــــوتُ عليَّاً أو بِكُـــمْ يَشْــنعُ
عَليُّ جُرْحٌ صَارفي خاصــرتي
حينَ الجــــراحِ بهامهِ هوى موضعُ
وفيهِ زينـبُ يومها بـكوفـتـــــها
بالســـلب وعـداً وفي حسينها قِطَّـعُ
أهٍ على صدر الحســــين ياأبتي
حينَ الخيــــول مهشمات لهُ أضلـــعُ
عليُ جرحك حين مسّـه ملجمها
صارت يد الحــقِّ بنينوى بلا أصبعُ
آهٍ على زينبان حين لا يَـجِـــــدَا
خَـداً يقبّـــلُ أو صدراً به يَمْـــنِــــــعُ
شــريانه نازفٌ فتلـــــثمُ الدم من
عـــــنقٍ تخاطبه : أكـلـكم صــــــرّعُ ؟
فما بَقِىَّ لنا في دار آل محـــــمْ
مَدٍ على هاشـــمٍ مبــكاهُ والمدمـــــعُ
قُلْنا : لَبِيْكَ حُسَـــينُ يَا شَاهِـــدنا
علـى قِتَــالِ البُــــغاةِ مالَـهُـم مــرْتعُ
ياسيّدي فيك الأصــيل منــــتخيا
لبــيك ياسيدي وفيـــــك مَن أســـــنعُ(3)
ريحانة المُصطفى وسيّدٌ عربي
ما بال مَنْ يكره اسمك العُلى صنْتعُ(4)
لأُمّــِه يرســـلُ ســــؤاله فـلـــها
تُجيبه كيف صار؟ أيُّ ذا المضجعُ ؟
حكومتي نهْجُ الحسينِ لا عِوجُ
من زاغ عنها وأن زاره لا يَشْفــــعُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- كَوِعَ : من مشي على الرمال في حر الصيف حافيا
2- مصطفى العذاري الذي اعدمه داعش في الفلوجة
3- اسنع : الشريف العالي
4- صنتع : الظليم ذكر النعامة