كيمياء المكان/ بقلم:معين الكلدي

كيفَ لي أن أُصهرَ بكُلِّ كينونتي في المُحيطِ مِن حولي ولا أعود بشريًّا كما كُنت !
لقد أصبحتُ كائنًا خرافيًّا يُكلِّمُ الجمادات بشغفٍ طفولي كبيرٍ ويَستمعُ لأنينهم الخَفي !
تَصطدمُ بظلالي مَخلوقاتٌ بشكلها الليّنِ المَحميّ بالبشرة ولا أحسُّ بانتمائي لها بينما يَشدُّني ذلك الحائطُ المُتَهدمُ في مَنطقةٍ نائية ..
التنورةُ التي تكسو المانيكان ..
قارورةُ عِطرٍ أُريقتْ على صدور المارة ..
البرّادُ وقد ضَجَّ من حَشوهِ بالمشروبات المُعلّبة ..
قِطعةُ نردٍ مَقلوبةٌ على أمرها
فَضلُ قهوةٍ لذيذةٍ تُرِكت في العراء ..
أعقابُ سجارةٍ تلذذت بشفتيها قصيرًا ..
حَجرٌ مَنبوذٌ
أحسُّ بذاتي وأنا أداعبُ طاولتي بأصابعي الرطبة ..
وأنا أتحرّشُ بجسد ورقتي الرقيق ..
وأنا ألمسُ شاشةَ جوالي في أماكنها الحميمة ..
وأنا أمارسُ التلصّصَ مِن شُرُفات الميديا
تنتقلُ ملايين المصفوفات البشريةِ المُدمجةِ إلي ..هكذا بلا استئذان
أراقبهم جميعًا من دون أن يُحِسّوا بي ..
أعودُ لمقهاي المخزون بالذكريات الغريبة..
مِن ممارسةِ غباءِ الضحك ..
مَن تغابى ليَهرُبَ من ذويه !
حبيبان كتبا قصة حبهما بكفايين الشوق..
طالبةٌ تمارسُ تمثيل دور المجتهدة ..
وآخر ظن شعيراتٍ أسفل ذقنه وباكيت سيجارةٍ دليلَ خُصوبةٍ كاملة .
لم أعد ذلك المشدوه بالأحياء من حوله فأنا في ملكوتِ اللا دماء أكثر التصاقًا بالحياة من غيرها .
يبدو أنّني أتخشّبُ طواعية ..
فكرة أن أصبح شجرةً تَشدني كثيرًا بل وأتقمصها في وجومي الطويل ..
ورغم قطعي كثيرًا جدًا فإنّني عندما أسقط على أشباهي الجمادات فكأنما عدت لموطني بعد هجرة مضنية.
لقد أصبحتُ كائنًا خرافيًّا حقًا ..
الجَمادُ الحي !

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!