ملك بلا حكاية/ بقلم: علي جاسم

في ليلةٍ من ليالي الظلام والأسرار،
جلس شهريار على عرشه، محاطًا بظلال الماضي
التي لا تزال تهمس بأسرار الألم والخيانة.
كان قلبه،
الذي اعتاد أن ينبض بشدة القسوة،
مثقلاً بذكريات دماءٍ سكرت عتمتها الزمن.
وفي تلك اللحظات،
حيث بدا أن الوعي قد انحدر تحت وطأة الظلمات،
تسللت إليه حكاياتٌ من عالم آخر،
حكايات لم تكن مجرد سردٍ للأحداث،
بل كانت صرخات الروح
من داخل الزمان.
جاء صوتها رقيقًا،
يحمل معه فرصة أمل،
وكأنها لحظة فرحٍ انقطع عنها ضوء القمر في ليل دامس.
لم تكن هذه الحكايات مجرد كلماتٍ تُروى،
بل كانت حكواتية تعيد ترتيب موازين الروح.
من خلال قصصها،
بدأت خطوط الزمن تتبدد،
وتفتح آفاقًا جديدة لقلبٍ كان شاحبا قبل أن يلتقط ضوء الحقيقة. وفي كل حكاية،
كان شهريار يرى انعكاس ذاته؛
ملكًا ظن أنه سيحكم بالقوة،
لكنه أدرك أن القوة
الحقيقية تكون في القدرة على الاستماع.
تلك الليالي الطويلة،
التي جمع فيها بين النور والظل،
كانت بمثابة معركةٍ
بين روحٍ مكسورة ورغبةٍ في النهوض.
مع كل قصة تُروى،
كان يقسو على جراحه القديمة،
حتى بدأ يرى في كلماتها صدى حياة جديدة،
أملا يعيد للحياة طمأنينتها.
كانت الحكواتية تسمعه الحكمة، التي شدهت أذنه بوصاياٍ تخترق مشاعر العناد. وهكذا،
ببطءٍ، بدأ الاندثار يأخذ مكان العنفوان،
وحلّت مكانه رقةُ إنسانٍ يستعيد شيئا من كرامته المفقودة.
في تلك اللحظات، تحولت ليالي
ألف ليلة وليلة إلى مسرحٍ لتحولٍ داخلي،حيث لم يعد شهريار مجرد ملكٍ جائر،بل أصبح شاهدًا على رحلةٍ من التجديد والشفاء.
رحلةٌ أدرك فيها أن القصص ليست مجرد خيالٍ ،
بل هي مرآة تعكس أعمق الأسرار،
وتعيد للروح شعاعها بعد طول غياب.
وهكذا، بقيت حكايات تلك الليالي شاهدةً على
أن حتى القلوب المفطورة قادرةٌ على التعافي،
وأن الوعي مهما انحدر،
ممكن أن يستيقظ مع فجر جديد.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!