والتقينا بعدَ لأيٍ وبعدما كُنّا نتأسّى بوَجَعِ الكلمات ونحسبُها سلواناً لنا في سَفَر الأَشواقِ فيتجسدُ الشَجَنُ في دفتر الأشجان وتنحني السطورُ حزينة كسيرة مدادها الدموع ، نَديمُنا قصاصاتُ أَلَمٍ وآهاتُ سَمَرٍ تَشُقّ سكونَ الليالي وأوتار حزينةٌ تضربُ على وتينِ القلبِ وتزيدهُ لذعاً حرقةُ الشموعِ فنطعمُها حروفاً جائعات تشتهي لثمةَ السطورِ ، ولأنّها مكتوبة بالدمعِ فهي تُقْرأُ مبللةٌ بالوجعِ وعلى سطورها ملحٌ أُجاجٌ ، فكانَ اللقاءُ كمشهدٍ اجْتُرّ من عالمِ الأطيافِ كأضغاث أحلام الملوكِ كسفرٍ كوكبيٍّ من عالمِ الخيالِ ، توقّفَ فيه النبضُ واحتبستِ الأنفاسُ وارتفعتِ الصدورُ والقلوبُ بشهقةِ الالتياع فلا نكادُ نصدِّقُ ما نرى بعدَ كُلّ ذلكَ الاحتجابِ والأماني المصلوبةِ على جذوعِ المُحال ، ومن فرطِ الشوقِ تسمرتِ الأقدامُ وعُقدتِ الألسُنُ فتألقتْ لغةُ العيونِ ورفرفتْ نَبَضاتُ القلوبِ بالشجونِ وطارتِ الأرواحُ هياماً وحنيناً ، وخطراتُ الأَفكارِ لمْ تعرفِ السكونَ وخلجاتُ الحُبِّ هائمةٌ تسبحُ في بحور الاندهاشِ ومَلأَ الصمتُ المكانَ ، لمْ ننبسْ ببنتِ شََفَة ولكن الدموعَ سبقتْ وصفحات الوجوهِ وَشَتْ بما انطوتْ عليهِ الجوانحُ وضمتهُ ردهاتُ القلوبِ فكانَ الاعترافُ رسماً صامتاً ينطقُ بلا أصوات بلا رتوش ولا لَمَسات كلوحةٍ مبهرةٍ تنطقُ بالبهاء كهديرِ البحر الساكنِ كلهيبِ النار الكامنِ كقصيدةٍ في خاطر شاعرٍ ، وانتبهنا بعدَ أنْ أُسْدِلَ الستارُ وطارتِ العنقاءُ فَكَرّ الفينيقُ راجعاً يَجْتَرّ الأُمنيات ويلفظُ أنفاسَ الخَيبات .