د/ نبيهة عبد الرازق
صدر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع – عمّان – ط١ ٢٠٢١ (الاستيطان الإسرائيلي صراع بين الحقيقة والوعي).
سليم النجّار
يحدث كثيرا أن تتشكّل علاقة ما، بين المبدع والمتلقّي، تتجاوز حدود الاكتفاء بمتابعة النتاج الإبداعي والفكري إلى الاهتمام بالمبدع ذاته. تُعجب بأحد المبدعين، كالدكتورة نبيهة عبد الرازق التي أصدرت كتابها عن الاستيطان الإسرائيلي وخطورته وتداعياته على الشعب الفلسطيني، فهي الروائية التي كتبت أكثر من رواية. لكنها لم تقتصر على هذا الجانب الإبداعي، إنّما وجّهت اهتمامها لقضية مصيرية يتعرّض لها الشعب الفلسطيني، ألا وهي قضية الاستيطان الإسرائيلي، الذي يلتهم الأرض الفلسطينية ويفترسها يومياً.
ناقشت عبد الرازق قضية الاستيطان من منظور استعماري إحلالي الذي تقوم على أساسه فكرة الدولة الإسرائلية.
ناقشت د/ نبيهة عبد الرازق في فصلها الأول وتحديدا “الإطار المفاهيمي النظري”، الذي ارتكز على مفهوم استعماري غربي تاريخي، الذي بدأ مع بدايات مختلفة إلى عصر الحداثة بدءاً ممّا يسمى برحلات كولومبس الاستكشافية، ومرورًا بالنهضة، والثورة الصناعية، وحتّى عصر الاستعمار، وما بعد الحرب العالمية الثانية٠ وبينما تنطوي الحداثة وما بعد الحداثة على فلسفة وإبستمولوجيا، وليس مجرّد عصر، كان التحديث يعني دائما نقل أيديولوجية غربية إلى برنامج سياسي استعماري، حتّى وقتنا الحاضر، الذي تجلّت أبشع صوره في الاستيطان الإسرائيلي، (بناء عليه فإنّ الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي كان استعمارا إحلاليا مباشرا يهدف إلى استغلال الأرض دون ساكنها، من أجل إحلال الوافد أو المهاجر اليهودي الجديد محلّ الفلسطيني صاحب الحقّ الشرعي للأرض ص٢٤).
وفي فصلها الثاني المعنون “دوافع الاستيطان الإسرائيلي والمراحل الاستيطانية في فلسطين”، القائم في هذا الفصل على فلسفة الكشف عن أهمية الاستيطان الإسرائيلي للحركة الصهيونية، من أجل قيام الدولة اليهودية، التي التزمت الصهيونية بالسياسية الميكافيلية وفلسفتها القائلة بأنّ الغاية تبرر الوسيلة فقد أعطت أولوية قصوى لتحقيق الهدف ووضعه فوق أي اعتبار، (ولتحقيق الهدف السياسي المتمثل بإقامة دولة “إسرائيل” وتوسيع حدودها الاستعمارية. لم تتوانَ الحركة الصهيونية عن استخدام كافّة المبرِّرات والادّعاءات التاريخية والدينية المبطنة بالأبعاد السياسية الاستعمارية الإحلالية التوسعية التي توافقت على ضرورة استمرار وتوسيع المشروع “الاستيطاني” في الأراضي الفلسطينية لخلق حقائق جديدة في المنطقة ص٤١).
سنّت إسرائيل بعد قيامها العديد من قوانين الأمن التي أخذتها بشكل مباشر من قوانين (حكومة الانتداب البريطاني)، والقائمة على التمهيد لطرد الفلسطينيين من أرضهم، لذا جاء العنوان للفصل الرابع (الاستيطان الإسرائيلي وأثره على “حقّ تقرير المصير” للشعب الفلسطيني.
يصف المفكر الكاثوليكي جوزيف ريان بعض أشكال الظلم الموروثة في الحركة الصهيونية وسياستها تجاه الفلسطينيين ويعطي مثالاً صارخاً، (قانون العودة الذي سنّته دولة إسرائيل والذي يمنح حقّ العودة لأيّ يهودي من أيّ مكان في العالم يرغب في “العودة” إلى فلسطين ويمنح – بصفة فورية وتلقائية – الجنسية الإسرائيلية وحقوق المواطنة الإسرائيلية)، وهذا ما أوضحته د/ نبيهة عبد الرازق قائلة “الاستيطان” أو “الثقب الأسود الصهيوني الذي يتبلع الأرض الفلسطينية لمصلحة الحركة والدولة الصهيونيتين”، كما وصفه الدكتور أسعد عبد الرحمن أو” البلدوزر الصهيوني للاستيلاء على الارض” ص١٦١).
وفي إطار هذه الخلفية غير الأخلاقية الصهيونية، مارست الحركة الصهيونية كلّ الأساليب غير المشروع لتكريس “دولتهم” على أرض فلسطين، كما وظّفت كلّ الجهود العلمية والفكرية، ومن أهمها العمل اليومي والدؤوب لبناء المستوطنات لتقسيم الأرض الفلسطينية وخلق بؤر استيطانية في الجغرافيا الفلسطينية لتقطيع أوصال الشعب: الفلسطيني وعزله في كانتونات، هذا أوضحته د/ نبيهة عبد الرزاق في خاتمة كتابها، إذ قالت (إنَّ هذا التفتيت الممنهج للأراضي الفلسطينية لا يقصد منه إلّا الحيلولة دون الحفاظ على التواصل الجغرافي الذي يمكِّن الشعب الفلسطيني من إقامة دولته ص١٩٥).
كتاب “الاستطيان الإسرائيلي – تقويض لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني – ١٩٦٧-٢٠٢٠” للدكتورة نبيهة عبد الرازق جاء في أربعة فصول، وعدد الصفحات ٢٢٣.
إنّ كتاب د/ نبيهة عبد الرازق يكشف حقيقة انزواء وإفلاس الفكرة الصهيونية، بالإضافة إلى فشل السياسات الحالية للحكومة الإسرائيلية التي تدّعى أنّها تسعى إلى تجسيد مبادئ المشروع الصهيوني الذي وضع قواعده تيودور هرتسل في كتابه اليوتوبي “الدولة اليهودية” والذي يتعارض تماما مع وضع الدولة الحالية.