عمان – آفاق حرة
أقيم بدائرة المكتبة الوطنية في (عمّان) في الخامسة من مساء أمس الاول الأحد 23/9/2018، حفل توقيع (رواية الطريق إلى الزعتري) للروائي السوري (محمد فتحي المقداد).
— القراءة النقدية قدمها الشاعر (محمد عبدالستار طكو).
— الشهادة الإبداعية قدمها الأديب (سامر المعاني).
— أدارت الأمسية الروائية والقاصّة (عنان محروس).
وتحدث الروائي محمد فتحي المقداد، عن محاور الرواية الأساسية. التي ارتكز عليه الحدث السردي عنده، قائلًا:
اقتبستُ مقطعًا للشاعر (محمود درويش)، ضمّنتُه في روايتي، ويقول فيه:
(ستنتهي الحرب..، ويتصافح القادة..، وتبقى تلك العجوزُ تنتظر ولدها الشّهيد، وتلك الفتاة تنتظر زوجها الحبيب..، وأولئك الأطفال ينتظرون والدهم البطل..، لا أعلم من باع الوطن..!!، ولكنّي أعلمُ من دفع الثّمن..).
بكلّ تأكيد من دفع الثمن هو الشعب السوريّ بكلّ فئاته وطوائفه ومذاهبه. الحرب دمار وخراب، بنتائجها وإفرازاتها ذات الأطوار الغريبة عن السّاحة الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، بمؤثراتها السلبيّة على المدى القريب والبعيد. عصابات مُسلّحة، وتجّار وأثرياء وأمراء حرب، وجيوش من المعاقين، وفقر، وبطالة متفشّية على كل المستويات. يعني نتاج مجتمع مشوّه القيم بما طرأ على بنيته الأساسيّة، وتقطيع أوصاله بالعنف والعنف المضاد.
فامتشقتُ قلمي لأكتب للحياة للمستقبل للحريّة للسّلام. وسيبقى القلم هو الأقوى صوتًا، والأصلب مقاومة في سبيل تجلية الحقّ، وكشف الدّجل والكذب المقنّع بأقنعة مُتسربلة بشعارات برّاقة كذّابة، فتنت الكثير من العقول على مدار سنوات طويلة، وفضح دكتاتوريّة القهر والقمع؛ بُغية استعادة إنسانيّتي المسلوبة منذ ولادتي، لأقف شامخًا في وطني عزيزًا مُكرّمًا، بحماية دستور يضمن الحقوق، والمساواة أمام القانون، تحت مظلّة وطن يكون مُلكًا للجميع يعيشون فيه بأمان وسلام.
وعلى رأي الشّاعر العربي(المنقري):
(لعمرُك ما ضاقت بلادٌ بأهلها * ولكنّ أخلاق الرّجال تضيق)
وما رواية (الطريق إلى الزعتري) إلّا ضجيج هذا الشعب المكلوم، وأنينه المتواري خلف أسوار القهر، ودروب الوطن المزروعة خوفًا ورُعبًا، الوليد يأتي مذعورًا، ويشبّ ويهرم، وينتقل الخوف معه إلى قبره، يحذرً جيرانه هناك الذين يتلصّصون عليه.
جئتكم بروايتي، ماثلًا بين أيديكم من هناك من جنوب القلب، من موضع موطئ قدم النبيّ محمّد عليه الصلاة والسّلام، ومن رحاب الرّاهب بحيرا، من صخب التّاريخ، وعبق الحضارة من (بصرى الشّام)، الغافية على الجنوب الشرقيّ من هضبة وسهول حوران الأبيّة. وأنا فاقد لنصف ذاكرتي، عنما احترقت كُتبي وأوراقي ودفاتري هناك في بيتي، وهي الأغلى والأحبّ إلى قلبي من بين مقتنياتي وأملاكي المتواضعة، جاءني خبر بأن شهادتي الثانوية ما زالت مُعلّقة على جدار غرفة نومي صامدة، تُصارع وحدتها الموحشة بانتظار عودتي.
ستّة فصول لاغير هي تقسيمات الرواية، وهن دلالة للأشهر الستّة الأولى، التي كانت فيها الثورة نقيّة بهتافاتها ومطالبها السلميّة، وذلك قبل إصابتها بمقتل رفع السّلاح، وظهور التنظيمات المتشدّدة، والمتستّرة باللّبوس الإسلاميّ.
هنا وقفت الثورة طعينة جريحة على مفترق طرق، مُلئَت دماءً بريئة غاصت بها الأقدام حتّى الرُّكَب، وعبثت بها الأيدي الآثمة، بنواياها الشرّيرة الحاملة لأجندات بغيضة كريهة، نفخت بِكير الطائفيّة المقيتة، أحداثٌ جعلت الحليم حيراناً، فلا القاتل يعلم لما هو قاتل، ولا المقتول يعلم فيما قُتل.
وجاءت الرواية كوثيقة اجتماعيّة، تحكي كلام النّاس البسطاء على مختلف انتماءاتهم، والذي لم تأت عليه نشرات الأخبار، وما يقولونه في جلساتهم، وتقييمهم لما آلت إليه أمور حياتهم اليوميّة ومعاناتهم. وقد سجّلت جانبًا بسيطًا مما حدث، وعلى مدار السّاعة لهم، وهناك الكثير والكثير ليُقال، ربّما لا تتسعه كل صُحُف الكون أجمع. ومن رأى ليس كمن سمع أو قرأ.
فلا أدّعي صدقها، ولا أسمح بتكذيبها لمن خالفني الرأي فيما رويتُ، حاولتُ جُهدي الحياد والإنصاف، بموقفي المنحاز للإنسان وحقوقه وقِيَمه، ضد الظلم والطغيان، و(إنّ الزّمن هو أشرف النّقاد، لأنّه النّاقد الوحيد الذي يُعلي الحق، ويُسقط الباطل، ولا ينحاز لأحد)، هذه العبارة لشاعر الهند العظيم (طاغور) وهي مقدمة الرواية.
ومن جميل الصّدف، أنّني عثرتُ على أبيات للشاعر (محمد طكّو)، أثناء مراجعة أخيرة ما قبل الطباعة للرواية، ويقول فيها:
قُل للبدايات قد ساءت نهاياتي * واستأســدَ الحُزنُ في أجراس أبياتـــــي
تمدّد الغيمُ، حتّى خِلتُه ظلَمًا * خلفي ســــوادٌ، أمامــي ظلّ أمواتــــــــــي
أمضي انحدار دُموعي، أقتفي وجعي * تقتاتُ من عُشبة الكابوس ناياتي
أمدُّ وهمي خلف اليوم مُشتعِلًا * يعود ينحـــتُ في صخـــر الحكايـــــــات