رسمن على الجدران أغانيهن
بعفوية يومياتهن الصاخبة
طلينها بمواويل الفرح والأهازيج الشعبية
بعتابة ،بقدود حلبية
بترنيمة صلاة في الآحاد
بصوت عبد الباسط عبد الصمد يرتل سورة الكهف يوم الجمعة
لحن هدهدن به لطفل حتى ينام
مازال دافئا يشدو
وفي كل ركن من أركان البيوت تشم رائحة البخور يتطاير من كلمة “يقبرني ”
” يامو ، يا أمي، يما، نانتي، ماما
رائحة إبريق البابونج ودلة القهوة بالهال و شراب الليمون بالنعناع
رائحة الحبق و الريحان في
قصائد وكتب مملوءة بالحب
في مكتبات البيوت قرب الذكريات
قبل الرحيل كدسن الغيم في أسرة أطفالهن
التي يتطاير حولها فراش أحلامهن البسيطة
دمى قربها فردة حذاء تختبىء بداخله حبات عقد لؤلؤ مفروطة سقطت سهوا يوم الطامة الكبرى
عند باب الدار قرب شجرة التوت و زريعة المليسة
تركن صرة تختبىء فيها رقصة الحياة المسروقة التي
كانت توشوش لله شكواهن
عند كل باب و تحت كل نافذة و شرفة
تتراكم أشلاء و تنوح ذكريات
أقدام بترت في ساحة الدبكة التي كانت تغني للحرية
بينما كان أخوة الدم يصورونهم “كمجرم متلبس”
و يسجلون أسماءهم
أولئك الذين كانوا يحملون الورد بأياديهم
و يرفعون رايات بيضاء لم تحمهم من وحشية الوحوش
كان الجميع على الشرفات
يرميهم بحبات الرز للبركة
يرشقونهم بالورد و الماء
على رفوف مطابخهن تركن صرخة و كثيرا من الدموع
تتلألأ في صحونهن التي تنزف غياب قدورهن و نيران مطابخهن المطفئة
قطيع من الغزلان يتطاير في حدائق البيوت الأرجوانية
تلك البيوت التي تعرف رائحة عيونهن الخائفة من الغد
غرزن أظافرهن عند مقبض الأبواب الوحيدة التي تئن أرواحها على رحيلهن بعد أن
صارت بلا ظلال
تبكي غياب ضحكاتهن
في الصباحات
و صهيل حضورهن في أمسيات الصالونات
أغصان الزيتون التي
شذبنها نجمة نجمة
صارت دموعا تائهة في الدروب
التي تلفقها خطاهن التائهة
الطيارات الورقية التي صنعنهن بأيديهن لأولادهن
دفنت في
قبور أكبادهن الصغيرة
أي جراح تلك التي تشفى؟
أي موت بطعم الغدر سَيُنسى؟
في دروب الخذلان يزركشن كل مكان تطأه خطاهن بخرز العقيق المر
“مرمر زماني يازماني مرمر ”
من حبات الحصى على أبواب الخيام يبدعن لوحات فسيفساء القهر
يطرزن على الصخر غرزة من غرزات التطريز بخيوط الميلان و الأورجانزا بإبر من دموع عيونهن
كمنوال لا يمل ،لا يضجر
بكل إصبع لون و حزن
بكل إصبع نقش للاستمرار بمهارة
متسع من الفرح المنتظر
بطعم الشمس و رائحة جدائلهن التي تبعث الضوء
تيمنا بكسر قلوبهن وغصة الذل في كلمة “لاجئات”
في الدروب المستحيلة حيث
يكملن الحياة بما تيسر لهن من القليل القليل
و الكثير الكثير من الكرامة كصلاة …..