النّجمة المطلّة على الغروب / بقلم مادونا عسكر/ لبنان

 

 

 

عندما تزوّجا قال لها “مادمت تطيعين نيست سعدين. ستمضي الحياة بسلاسة دون أن يعكّر صفوها شيء.  فأنا لا أحبُّا لمجادلات والنّقاشات…”

وافقت دون أن تدرك أبعاد هذا الطّلب ومدى فداحته. ودون أن تعيأ نّها قيّدت كيانها إلى الأبد بأغلال ستظلّ تنخر حرّيّتها كلّما قالت نعم. ولم تدرك أنّها تلاشت ولم يبقَ منها سوى اسمها وإلّا ما عرفها أحد.

لطالما أنّبت نفسها في خلواتها المسترقة من ضجيج الرّتابة وضوضاء العتمة وخدعة الاستقلاليّة. فمن المعيب على امرأة تدعّيأنّها مثقّفة ألّا تعتر فب كيانها وتمضي بوعيإ لىس جن في الهواء الطّلق ،يشتّتها ويقصيها عن ذاتها. يبدّد طموحاتها وأحلامها حتّى تكاد إذا سُئلت عنها تاه نظرها في الأفق البعيد دون جواب. وكانت تضحك كثيراً عندما تتحدّث عن حرّيّة المرأة وحقّها في التّعبير والقرار وكلّ هذه العبارات الرّنّانة الّتي تقيّد أكثر ممّا تحرّر. فالتّحرُّر يجب أن ينبع من الدّاخل ، من احترام الذّات لذاتها ومنعها من الغرق سنين طويلة في الإيجابيّة المزيّفة. التّحرُّر الظّاهريّ لا يعني شيئاً إذا كانت الذّات تئنّ تحت وطأة تأنيب النُّضج. وهو فارغ طالما أنّ القرار مرهون بسجن الحكمة. وهو مهين إذا ما كانت النّفس تسمّي الغربة عن الذّات صبراً وعطاءً.

هي الآن جالسة على شرفتها المطلّة على الغروب. تعانق بذور الحرّيّة في أحشائها. تعدّ أشعّة الشّمس المتفلّتة من صمت المغيب . تعرف أنّ اللّيلس يبتلع الأفق. وأنّ ثمّة نجمة في السّماء تقاوم عنف الظُّلمة. وتدرك في أعماقها حقيقة ان تفاءا لعودة إلى زمن ضاع سدىً.  لكنّها تعلم أيضاً أنّ العالم المنطوي في أعماقها صديق أمين لعمرٍ لم يأت.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!