.الى الحائط الوردي ….الى جدار المنسيين في دار المسنين/ بقلم :الكاتبة الجزائرية لطيفة حرباوي

لم يعد لديك مزاج للمزاح ، ولا مزاج للبكاء..!! جردتنا من فروق اللغة والجنس والعصر لتلخص الوجود بالحوادث المارة بنا.. سأرسم لك بيتا من أهدابي وهى تطفح بالدموع ..سأعتزل الغناء وأنا ألحن آخر قصائد الوجع لطيور البجع.. تتعانق المدن على جبينك، تحتفل الكلمات الضالة في صدرك المهزوز ،وأنت تخفى ما فعله بك السعال والهزال.. عندما ينزل إليك السقف في خجل وأنت في حالة تصالح مع الأمكنة ،والسماوات ..تقذفني السنوات التي لا تعود إلى شواطئ المنفى اغتسل بالملح وأنا أحلى العمر المارد بالهجاء.. هل مازلت بحاجة إلى فصادة معنوية لنحي معا سهرات مع الموتى..؟ وكأن جبران يقول لك مرة أخرى في فمي حجر صلد. الكلمة موجودة في قلبي ..مجنحة وحية ولابد من قولها لتزيل بوقعها ما أوجدته ثرثرتي من ذنوب. تلتقي الألفاظ المقطعة في الضباب.. تشق طريقك إليها في صمت، وعناد.. تجمعها لتتجمع قوى إكتئابك عميقة ومرهفة وأنت وحيد في هذه الدنيا التي لا وطن لها.. عند الشفق تلتقي الأرواح ..وتتجمهر كأنها تتداول في إنشاء عوالم جديدة.. وأنت كما أنت تنتظر الوجوه الأليفة ،وتفتح نوافذ البصيرة ثم تتقمص صور المتصافين. ما أضيق غرفتك بل ما أضيق الحياة عندما لا تتحملك.. لم تهزمك الجدران الثقيلة ،ولا لحظات التعارف والنسيان..!! كيف لك أن تملك نفاق البشر وأنت لا تمتلك عفشا، وعرشا..!! مازال لديك عش وقلم لا يغش ..أدخلني من بوابتك الخلفية، أجلسني وراء الوجوه المجعدة ..علني أقول لك الذي لا يهمك.. وجدت خريطة الكنز فلنسرق مراكب الوقت المصلوب .. ولنبحث عن مدينتك الفجائية.. لنأكل معا الكبة ،والفلافل ثم نهجرها ..وأنت تعيد صياغة الكون واللون.. أيها السهيل ..من أقعدك بعيدا عن أعراس الشمس..؟ وكلل تنهيداتك بالغدر..؟ تبا لهؤلاء الذين لا يرون الريش يتساقط من جناحيك.. ولا يلمحون قلبك الذي أغلقته على الفراغ والوحشة.. أحاول دون إذن منك أن اعتصر ثمار عمرك كدت أنهار ،وأنهدر فاستنار ذهني لأعود بدوني ..حتى أقص عليك حكايا أقوام البرزخ وأنا أصف لك أفراحهم المجردة من الجسديات والمدسوسات .. وعن حياتهم التي لم يعد تمزقها المقاومة والنزاع كيف أفسر لك غاية الألم؟ كيف أحنطك بالسخافات؟ وأنا لا أعرف ما هو لون دفتر مدخراتك.. أتركني أكرس لك بعض الدقائق السخية ..لنتصوف معا ونعترف بخطايا الزمن دون أن يسمعنا أحد ..حتى لا نسجل في الأوراق الرسمية بأننا نشوش على الوقت الذي هو ضدي وضدك.. قد نموت ولا أحد يعرف بأننا متنا ..!!فالأحياء أيها السهيل لا يعنيهم فناؤنا في شيء.. فالشهيق، والزفير ،والتأوه المزمن لن يحركهم في عليائهم.. فلنقتسم رغيف اللحيظات الرخيصة عندهم ..دون أن نفترق ..ودون أن نردم الأسماء المقلوبة ،والمقهورة معا سنفرغ الأجساد من محتواها ونحن نحمل بيوتنا على ظهورنا دون تعب لندون شواهد القبور المسلوبة على أوراقنا الممنوعة.. يقلقني ألا أراه مرة أخرى.. تواعدنا ككل مرة على كسر العادة والزمن ..هل يمكنني أن أتخيلك وأنت ممدد تحت عجلة كبيرة لم ترحمك ككلهم أبا إلياس لماذا تختم حكايا الهامش بعيدا عن أعين المرفهين؟ عندما حاولت أن أجفف دموعي الفقيرة وأنا محاصرة بجدران دار المسنين بسيدي موسى ،أحسست بأن العمر قد تقدم بي كثيرا ..ولمحتك كعصفور النافذة تقتلع قلبي.. لتمسح به زجاج المنسيين هكذا أرجع إليك مكفنة بالعذاب..وبجسمي المبنج لأبني لك بيتا من الورق المقوى ..وأوقع لك شيكا مزورا ..لأقنعك أن لي رصيدا في بنوك خارج الجغرافيا والتاريخ.. ما أحلكها من أيام تلك التي لم نتذوق فيها طعم الإنسان.. ولم نلتحف فيها الوجدان ..إننا هكذا نطرح من أعمارنا الشوق للجمال والنعيم في كنف الزهد والإبداع كم عمرك هذه السنة.. كم شمعة أطفأت من أجلهم؟ علمتهم كيف يحبون ويتقدون بالصدق وعلموك كيف تموت دون أن تزعج أحدا أريد أن أخزن لك ما طاب ولذ من الكلام.. أريد أن أحقنك بالفرح القاتم وأنا أحاور معك عصر الإسمنت الخالص. .أيها السهيل في مساحات البياض يمكننا أن نفضفض على الطريقة الدمشقية أو على الطريقة العاصمية.. ونحن نحترق قبل الأوان ..ونتزين بالرماد ونفترش التوحش برقتنا القاتلة ،وعفتنا الزائدة. . هل يعنى لك قصر علاء الدين شيئا؟ هل علينا أن نوهم أنفسنا في الليالي المريضة بأن النجوم تتغزل بنا ونحن حفاة كالسلحفاة تصغر أشياؤنا ..وتتقلص بداخلنا فعالمنا يقزم أمثالنا ويفرض علينا الانتحار.. مازال هناك وقت لنقوم ببعض الدروس الخصوصية ، وأجرنا على الله ..سنعلم عيون الفارين منا كيف تلتهم كرامة المبدع ..وكيف تزوده بالذل وهو لا ينحني إلا عندما يكتب أناه على سطر الحزن الملون بالشقاء.. هل تريد شق تمرة تزودك بالكبرياء..؟! أم أنك لا تشتاق إلى أكل ما هو حلو.. لأنك تعلم بأن المر هو حكمة الوجود.. فقل لهم بأن أهل الجبان لاتهمهم العراجين المعلقة في رقاب من ماتوا… أيها السهيل ..سنفتح صناديق الصدقات الجارية ..ربما سيكون لنا نصيب فيها.. أو ربما سيقال بأننا لا نملك ما يسد الرمق وعلينا أن نحصل على القوت قبل أن نموت من الجوع أعرف بأنك لا تجوع ككل البشر.. وأعرف بأنك تغامر بالأوقات الغريزية من أجل فكرة تخلدك كعقل تفتق على الرسالات السامية . لن نأكل شيئا ..و لن نمد أيدينا ..مازال عندنا الكثير من الورق ،والأمل .. هل علينا أن نقترف الجرم نفسه ليقال بأننا أبرياء من الكتابة ؟ هل علينا أن نخاطر ونحن نتسلق نفس العذاب ليقال بأننا لاشيء..؟ لدي شعور بأن الموت هو أحسن طريقة للنجاة ..وبان حياتنا هي أسوأ طريقة لكسب الوجع ..علينا أن نرتد قبل أن يحين الأجل. . أيها السهيل.. لن تعود فصول القطاف ..ولن يعتذر منا أحد .. إننا ككل الذين مروا من هنا ..ولم يتذكروهم إلا عندما أرادوا أن يذكروا الناس بأنفسهم وهم يتمسحون بالتوابيت النعوش المعذبة تحت أقدامهم. لا أحب أن أكون سخيفة أريد أن امتلئ برحلات الزهد والمسميات التي اختلف حولها القوالون ،والمذنبون ..فالجرأة عندنا أن نحترم حواسنا وأشلاء الآخرين ..إننا نستطيع تحمل ضعفنا وعجزنا وأن نقول لسنا ملائكة ..و الخطيئة الأصل هي عندما تنعى الضمير، وتجوعه، وتنسى بأن للكتابة قلاع لا يحتمي بها إلا كل متعفف، ناطق بالفضيلة .. فاعذرينا أيتها المدن المائلة علينا حتى نؤثث قلوبنا الواسعة بقيم الإنسان المنقرض ،ونحن نفتح مجالات للكآبة .. صدقينا أيتها التائهة في عالم القصارى. إننا لن نموت من الجوع ولا من البكاء ولكننا قد نموت من الضحك أو القرف و آخرون يموتون من الترف.. مازلت أحاول أن اخترقك وأنا أفتح فوهة في العيون اللحوحة.. لأرسم لك وجها على مقاسك لن يكلفني الأمر كثيرا كي أمحو تلك التقاسيم الكئيبة وأمنحك أكاليل الغار لنشرح صدورا تشبه القفار. أيها السهيل ..سأكرر معك اللعبة التركيبيةنفسها .. ربما سنشكل بيتا كبيرا ،وعائلة، وأحلاما جاهزة للموت.. اللعب بالغد يورطنا يجعلنا أكثر حماقة علينا ألا نحترس ، وأن نغامر بالشيء الوحيد الذي نمتلكه.. أعمارنا الزهيدة. ما أروع أن نجن ،وأن نبقى على سجيتنا نفتش عن متاهات جديدة في ذاكرتنا الحديدية. مازلت أحلم من أجلك ..ومن أجلي ..وأنا أعجن الحروف وأخفيها في حلقي حتى تعتقد بأنني الموناليزا بشحمها ولحمها جاءت عبر آلة الزمن لتفشى لك أسرارا خطيرة تهدد وجودك في هذا القبو ،وتمنحك فرصة جيدة لتبتسم بالطريقة السحرية نفسها دون أن تكون الدونجوان . أيها السهيل ..علينا ألا نفترق ..و أن نخرج من المغارة وننحت أشياء أريدها أن تكون لك وحدك .. لا أريدك أن تدخن أنفاسك.. تعالى إلى حيث تتجلى الأرواح المهاجرة إليك ستنتصر عندما يعود الوعي إلينا عبر جسورك فلا تدخن ما تبقى من العمر …تنفسني حتى لا تختنق………

About محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!