بطاقة تعريفية “هجرة البلاندفورد” بقلم الروائي محمد فتحي المقداد

لصحيفة آفاق حرة

 

بطاقة تعريفية بكتاب

هجرة البلاندفورد” للأديبة الأرتيرية “فاطمة الموسى

 

المحرر الثقافي – الروائي محمد فتحي المقداد

 

 

المقدمة:

الدماء جاءت مع أول لحظة لميلاد البشرية، وبدأت علاقة القوي والضعيف تتبدّى، القوي ظالم، والضعيف والمُستضعف يقع عليه ظلم وجبروت الظالم. بلادنا العربية وفي مرحلة ما بعد الاستعمار الأوربيّ، لم تنعُم بالهدوء والاستقرار، ولم يتحقّق شيء من شعارات العدالة والمساواة، ولم يُحترم قانون ولا دستور ولا مواطن.

فالأنظمة العسكريّة أقامت لنفسها دكتاتوريّات، مؤسّسة على أساس متين من الأجهزة الأمنيّة السريّة والعلنيّة، لتدوس ببساطيرها كل القيم والمبادئ، ونقض العهود والوعود والمبادئ. فالنتيجة سجون ومعتقلات، ونشأت ثقافة الخوف على نطاقات اجتماعيّة واسعة، صبغت حياتها، بعدم الثقة في أحد وإن كان قريبًا مُقرّبًا، أو رفيق درب النضال، وانسدّت كافة آفاق الحياة في الأوطان، وأظلمت دروبها، لكن الحياة عزيزة، فكانت دروب الهجرة والتهجير واللجوء، هي السّالكة والمفتوحة أمام الجماهير. والأدباء والكتّاب والشعراء ينتمون للحياة برؤاهم، وهم أشدّ إحساسًا بعمق وهول المأساة، وبالتوقّف أمام نموذج لهذه الطائفة، نتوقف ونحطّ رحالنا في رحاب ديوان “هجرة البلاندفور ” للشاعرة الأرتيريّة “فاطمة الموسى“، المُقيمة في ألمانيا كلاجئة، هجرت بيتها وأهلها ومدينتها “أسمرة” و أرتيريا، لتحتسي لواعج أحزانها، وحنينها وأشواقها، فكان القلم والكلمة والقصيدة، مُتنفّسها الوحيد، لتتنسّم صباحات ومساءات “أسمرة”، وتُعاقر ذكرياتها، فلا عيش هنيء  ببُعادها عن مسقط رأسها.

العنوان:

بالتوقف في رحاب العنوان “هجرة البلاندفورد” المكوّن من كلمتي *”هجرة” ومن الهجرات العربيّة الساميّة من الجزيرة العربية، إلى الهجرة النبوية الشريفة، إلى موسم الهجرة إلى الشمال، إلى “هجرة البلانفورد“، ولن تكون آخر الهجرات. والهجرة: الترك والمغادرة للمكان، إلى هجرة الذنوب والمعاصي والعادات السيّئة.

*”البلانفورد” اسم غريب، وتزول الغرابة حينما نعلم أنّه طائر مهاجر موسمي، ومن التقديم للكتاب نقتبس: “طل البلانفورد على النافذة صغير بحجم البراءة كبير بحجم وطن مهاجر لي وقفة يلفها الشوق ويحيط بها الشوك أنتظرك هناك عند عتبات الميناء الباردة أرتق ثوب صبري بالمنى ليلي صار ضحى بلون تلك الأمسيات تجدني واقفة أعانق أحلامي“. ص8.

“استلهمت عنون الديوان (هجرة البلانفورد) وهو من الطيور التي توجد بإرتيريا وجعلته رمزاً للمهاجرين لأنها هي نفسها كانت من المهاجرين قسريا بسبب الحروب الإرتيرية الإثيوبية“. ص9.

وللتوضيح وتأكيد والمعلومة، كان لا بد من اللّجوء “للعم جوجل“: “قبرة بلانفورد (الاسم العلمي: Calandrella blanfordi)، طائر من الجواثم الصغيرة من فصيلة القبرات. تتواجد في الشمال الشرقي من أفريقيا وشبة الجزيرة العربية وقد سميت على عالم الحيوان الإنجليزي وليم توماس بلانفورد، في السابق كانت هذه الفصيلة مدرجة ضمن قبرة قصيرة الأصابع أو قبرة حمراء الرأس لكن حاليا تعامل كنوع منفصل. في بعض الأحيان تشمل هذه الأنواع قبرة إرلنجر). عن موقع الويكبيديا

وللعنوان إيحاءات نستنتج منها على سبيل المثال لا الحصر: تشابه حالة الهجرة بين الطيور والإنسان، يتلاقى نزوع الإنسان للحرية مع الطائر المحلق بحرية متجاوزًا الحواجز والحدود والموانع الطبيعية والمصطنعة، كلاهما يسعى للبقاء والتشبّق بالحياة. كما أن العنوان “هجرة البلاندفورد” هو عنوان لنص داخل الكتاب. ولدهشة هذا العنوان ودلالاته الإيحائية، فرض على الأديبة “فاطمة الموسى“، لتتخذ منه عن عنوانًا رئيسًا للمجموعة.

 

وصف الكتاب:

من خلال مطالعة الكتاب، تبيّنت هويته الأدبيّة، وهو من أجناس الأدب النثري، وبما اصطلح عليه “قصيدة النثر”، والتي لا تزال مثار خلاف بين النقّاد والشعراء بين أخذ وردٍّ بحجج مقنعة وغير مقنعة.

وكما أنّ هناك ما اصطلح عليه ب”أدب القضية الفلسطينية”، فنحن هنا أيضًا أمام أدب “القضيّة الأرتيريّة” في هذه المجموعة الشعرية النثرية، تناولت القضايا الوطنية الأرتيرية، والتهجير واللجوء، ولواعج الشوق والحنين، والأحلام والآمال والطموحات، كل ذلك تمازج فيه الروحي مع الذاتي للشاعرة فاطمة. على محمل لغوي سلس، سهل التناول وفهم مراميه وأهدافه، وبأبعاد إنسانية بملامح شاملة للبشر جميعًا.

وهذا ما يمكن ملاحظته، رغم تباعد المسافات بين بلد الإقامة والمنشأ للشاعرة، لكنها جسرت البعد بأحساسيها، ومن نجيع قلمها، بما أثبته في مجموعتها، وما تراه وراء الحدود هناك في مخيمات اللاجئين.

وهي أيضًا مدافعة عن الشعراء الأحرار المكممين، والأقلام الحرة في نص (الشاعر والخفافيش) حيث أنها تعتبر حرية التعبير ليست بجريمة: “شاعرنا لا يجيد الصمت بعد الترهيب، ولا حياكة لغة الكذب، والتملق بعد الجلد، والوعيد، والتهديد. كتب … ثم شكل صورا ورموزا تبرق“.

 

 

 

أثر التهجير على الأدب:

بمتابعة بسيطة لبعض نصوص المجموعة النثرية “هجرة البلاندفورد” نرى الآثار النفسيّة والروحيّة على الأديب الإنسان المُنحاز لقضاياه الوطنية؛ في نص:

أ-نص (رنين الحنين):” تبوح الروح وللذكرى حنين/ تنادي: لعل الشوق من الهواجر يشتكين/ تدق نواقيس الغياب ، تطول أصقاع اليباب/ ولا دواء ولا معين/ منهك القوى في فيافي الظما ، يكون الشراب رفيق النجاة/ تناجي النجوم وتخفي الشجون/ في ثنايا وطيات القمر” ص. ١١

ب- (القربان): “تنادي الأرض في روحي، کظمآن بحرمان إلام القهر في ظلي ؟! وفيم الابن سجاني ؟!/ وورد الشمر يغشاه ظلوم هذ أركاني يغيب الخير والبشرى ويبقى الظلم يغشاني لماذا القلب ملتاعاً ؟! ومخزونا بهجران ؟! يغيب النور عن عيني وأبنائي بفرقان” ص١٢

 ج- نص (ثورة رجل): “لبلاد النسيـان. صرت رجـلاً أدمن الترحـال من بلد إلى بلد بحار، غارقا في ضباب لندن. أحتسى فنجان قهوة مرة بالشام. مشرد في باريس. راحل لبرلين. مهاجر لمدريـد أحارب طواحين طيفك الفاتن في أشبي لية ولشبونـة وحتى الإسكندرية” ص16

الخاتمة:

وبهذا نستطيع وصف مجموعة “هجرة البلانفورد” بأنه أدب واقعي، كونه استقى مادّته النثرية، ذات الموسيقى الداخلية للنصوص من الحياة ومعطياتها، وبلغة سهلة التناول للقارئ، ومواضيعها ذات البعد الاجتماعيّ والإنسانيّ، كما أنّ الوطن ومفرداته كانت نسيجًا مُتكاملًا على نهج عميق بصدقه، المشحون بالشوق والحنين. وتتشابه النوستالوجيا بكافة أشكالها في مثل حالة “فاطمة الموسى” مع كل المهجرين في العالم، لا فرق بينهما إلا بكثرة الهموم التي يتشاركونها.

عمّان – الأردنّ

5/ 11/ 2021

 

 

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!