(أدب العزلة في زمن الكورونا)
أفكار الولدنة المُتباعدة عن زماني هذا لم تُغادرني، لذّة النّشوة فيها تُعاودني بين فيْنة وأخرى. خوفي شديد.. سرٌّ أتكتّم عليه بيني وبين نفسي، ماذا لو علمت زوجتي وأولادي، بطريقة تفكيري، وحنيني الدّائم إلى تلك الأيّام؟.
اختلفت الظّروف، انعكست طريقة حسابي للأمور، قناع الهيبة والرّزانة لا أنزعه ولو للحظة واحدة، إلّا في الحمّام، أو إذا أقفلتُ باب الغُرفة على نفسي. الثقب الذي يدخل فيه المفتاح، يثير اشمئزازي من وجوده في هذا الموقع رغم ضرورته التي لا غنى عنها. عندي حساسيّة مُطلقة من عين تُرسلُ نظراتها إليّ أثناء تبديل ملابسي. إغلاقها باعث استقرار؛ لملاقاة جسدي الغائب عنّي، المُتواري خلف ألوان وماركات الألبسة المختلفة.
في غفلة انشغال عائلتي انتظارًا لموجز خليّة الأزمة، والتطوّرات المُستجّدة. لهفة الترقّب.. العيون مُصوّبة إلى الشّاشة.. بانتظار تصريح وزير الصّحة فقط، هذا الذي يهمّ شريحتنا الاجتماعيّة.
جدران غرفتي عَزَلتني في مأمن مؤقّت.
ماذا لو خرقتُ الحظر..!!؟.
ماذا لو شاهدني ابني، وأنا مثَلُه الأعلى؟.
لم يطُل اتّخاذ قراري، أدرتُ المفتاح عكس اتّجاهه، حريّة بلا رقابة، نسيتُ نظرات قِنَاعي المقهور، عبر النّافذة أرسلت نظراتي على امتداد الأفق المفتوح أمامي. الشّمس مُنسحبة من الميدان، خلّفت شفقها يشيّعها إلى مُستقرّها. الشّوارع خالية تمامًا بعد صفير الإنذار.
اختفت الحركة.. خيّم الهدوء الإجباريّ على المكان. إغراءٌ داخليٌّ مُنبىءٌ عن خرق عظيم يُسجّله تاريخي بمخالفة الأوامر الصّارمة. اعترافي العلنيّ هذا وشاية بي. رتابة استحوذت على قطار عمري بُطْءًا حدّ الجمود. طيب الحركة والمغامرة صديقة المُقامرة.
لحظة تحرّري توقّف معها تفكيري، خطفة سريعة.. اصطدم رأسي بالبلّلور الشّفاف اللّعين، اقشعرّ بدني.. توقّف شعر رأسي. أحببتُ شفافيّته مع المطر النّازف خيرًا، وقلبي يتراقص طربًا على أصوات ارتطامها به.
ما الذي قاد ذهني إلى المعصية الآن؟.
ما وجه الشّبه بين فعلتي ومعصية الربّ؟.
بعصبيّة سحبتُ ظرْفَة النّافذة. التواصل مُباشر مع الخارج بلا عوائق. لم أهمِل مُراقبة المكان وجواره، خبرة قديمة نستقصي بها خلوّ كُرُوم التيّن والعنب من نواطيرها المُجاورة لمدينتي بُصرى. أريد التحليق خارج الزّمان مددتُ رقبتي القصيرة خارج جوّ الغُرفة، لأوّل مرّة أستنشق هواء بحريّة تامّة بلا رقيب. تحرّرت أثقال جسمي لأسبح كريشة في سموات. تبخّرت فيزيائيّة ضاع ثقل جسمي، لأصبح كرجل فقد وزنه، تمكسّتُ بأهدب السّتارة الواهية، جاذبيّة الأرض فقدت خاصيّتها، إذا خرجتُ من نافذتي لن أعود. ليس لديّ حلم الاستقرار في أيّة بُقعة من الكرة الأرضيّة، إلّا العودة إلى مسقط رأسي، لأحصل على قبر أرتاح فيه.
قرعٌ على الباب، ارتبك موقفي.. لبستُ قناعي، مسحتُ آثار الرّيبة والشكّ، مرآة الخزانة أكّدت سلامة مظهري، أوه.. يا لغباوتي!!. كيف لم أنتبه لرصدها كافّة حركاتي بدقّة؟.
تفاهة إغلاق الباب لم تمنع الخَوَافي من المتابعة نيابة عن عائلتي. يبدو أنّ الموجز الصحفي انتهى للتوّ.
عمّان –الأردنّ
ــــا 5 \ 4 \ 2020
خاص – صحيفة آفاق حرة