كتب : سليم النجار
صدر عن دار يافا – عمان المجموعة القصصية ” سقيا حرف” للقاصة رولا العمري٠
في هذه المجموعة تنحاز القاصة للانعكاس الجمالي للحكاية، مظفورة بحرية الخيال التي تعالج نصوصها، لتبرز بين الواقعي والفنتازيا على نحو يثير التساؤل، هل نحن امام قص أو صياغات روائية؟ تعمل على تجديد لغة السرد، ومزجه بلغة واقعية٠ حتى لو كان النص يقوم على العادي والزائل واليومي٠
أو وهي تواجه عوالم قدرية، ومستغلقة أحيانا٠
تتجول قصص هذه المجموعة في الماضي البعيد والحاضر والمستقبل القريب٠ والغياب هو اصل الحكايات، وفي كل حكاية يختلف سبب الغياب بين أحلام ليس لها تفسير أو رحلة لا نهائية٠ تبدأ قصتها” أثر” (الصمت الذي ملأ بيتنا، انتهى عند عكازها الساكن، وبدأ خيالنا يلاحق ظله في الأروقة ٠٠٠بحثا عن أمي! ص١٩)٠
هذه القصة ” أثر” تنبش عن أسرار الغياب في جعبة البحث التي اختزلت الغياب عنوانا لحكايتها فتعيد القصص مساءلة الرواة عن اصل الحكاية وتفكيك معنى الغياب٠
وفي ثنايا قصة” رُعاة” تهمس متسائلة، هل الخلاص في مكان آخر هو محض وهم؟ وكأن في قصتها تسدعي الغياب في قصتها قصيدة ” المدينة” للشاعر اليوناني؛” قسطنطين كفافيس، حين قال ” لن تجد بلادًا جديدة، لن تجد ضفة ثانية، هذه المدينة ستطاردك “٠ اذا تتولد الرغبة في الرحيل في قصة ” رُعاة” وهو السؤال الآخر الذي يتجلى بصورة سرد،( احترق رداء السماء، اختلفوا على توزيع الأوسمة، وضعونا في الميزان٠
كلما جاع الوطن، ذبحوا خروفا، صَمْتُ القطيع، أرَجَحَ كفة المزمار ص٢٦)٠
تعد قراءة الفكر في القصة القصيرة جدا فيما يتعلق بالأفعال/ الأنشطة تمرينا يقظا بالنسبة إلى معطيات تلك الأفعال للوصل إلى تأويلها، كما نقرأ في قصة” دروب”( تعبني السراب بعد هطولِ المطر المتصاعد صوبَ السماء٠
وحدة الموت، أحياني٠٠٠ رتَّبتْ الحروف الحلم ، احتَلًّتْ صحوة الواقع! ص٣٥)٠
يكون القصد في القصة القصيرة جدا أيضا في التواصل اللفظي، مركزيا٠ على الرغم من تفكيك القول هو نقطة بداية التأويل، في العملية الاستنتاجية لاتكتمل إلا بمساعدة السياق، مما يحل بشكل كبير حالات عدم التحديد التي قد توجد بعد التفكيك الحصري أو المعرفي، كما نقرأ في قصة ” حبر سري” ( أدخلني صفحاته، بلغتُ المنتصف ٠٠٠ أوشكَ مَدايَ على الاقتران! اخفي مجاله ٠٠٠ طويته مركباً من ورق! ص٤٨)٠
من اللافت في قصص رولا العمري سردها يتعلق بتوظيف الذهن، على أنها تعمل انطلاقا من قدرات محددة تتفاعل بكيفية بعضها مع بعض٠ وبدلا من أن يشتغل الذهن بوصفه نسقا لقدرات ذات طبيعة عامة، فإنه يشتغل من حلال قوالب اجتماعية مضطربة، كما هو حاضر في قصة” تعرية”( انطلقتُ سابقة ظلي، أهديتهم ساعاتٍ تمشي إلى الوراء ص٥٨)٠
وإذا كان الهدف من سيميائيات الأهواء هو البحث في القوانين الثانوية خلف الذات في أثناء الأدراك والتلفظ كما قرأنا في قصة” ليلى”( نضجتْ كروم العنب، كثرتها تزيده خوفا وطمعا٠ خَسِر المعركة مستغفرا، فاز الفقر مترنحا ٠٠ ناسيا عدَّ الكؤوس ص٦٦)٠ إن تخصيص للهوية العاطفية لقصة” ليلى” ما هي إلا داخل سلسلة خطابية، للبعد الهوووي الذي جاء بمنزلة قانوني ذاتي لبناء الخطاب القائم على الغياب٠
قصص ” سقيا حرف” للكاتبة رولا العمري، ما هي إلا محاولة جادة لرسم صورة الإنسان على شكل قص، له امتدادت ثقافية واجتماعية بحاجة لسؤال على شكل حرف٠