ها عراجين العمر قد تدلت من نخيل الحياة ؛ ومادت بالعطاء
حتى تنفس النور من رئة الوقت . وها عمود الروح يسند
أثقال حملي ، وانوء بتعبي عليه حتى اذا استغلظ تمري
واستوى واعجب الناظرين ، اسلمت أنفاسي للعابرين ليأكلوا
مما اعطاني الله.
طريقي لا موانع فيها ، ولا حجاب يستر غلتي عن عيون
يسرها النظر إلي ، فلا فقيه له اعتبار في سوءاتي
ولا مفت له الحق في كبت جموحي مادامت غلال ربي قائمة
في ذاتي سابحة في آلائه؛ يخشاها العلماء من عباده.
اعلم ان غضاضة عمري ، وطراوة خروجي لا تقاس بما في
ايدي الناس من سوء التأويل ، ولا أكترث بما فيها من القيل
والقال ، وانا قاب قمرين او اوسع من سماء المؤمنين بي؛
فلا يهمني ما سقط مني من ثمار ،فتلك جبلتي ، و لا احبس
عن عصفور ان يحط على ساقي حتى يسد جوعه، فقد
اكرمني بنزوله ضيفا ، واولمني من مسغبته حتى طار وترك
لي نشوته. وقد تشاركني نحلة ندى الصباح فنشرب ، سويا،
انخاب الفجر، و تكلمني بازيزها وهي تمتص رحيق حلاوتي،
وانا وريد موصول بدمها لتخرجه شرابا فيه شفاء للناس.
وتزورني نملة عاملة لا تلوي على شيء ؛ تأخد من صبري
إضبارة للجد والاجتهاد ، فتكون درسا لمتعلمي الحياة.
وبين سري وجهري تعبرني آيات من الأسرار لا يعلمها سوى
من يكور الليل على النهار، ويمنحني ما غمض عن سائر
الخلائق من حجر ،وبشر، وانهار.
تعلمت ان اكون قريبة من السائلين ، واجود عليهم عند
الطلب؛ وألا اتعالى عن الفقراء والبسطاء من الناس ، وان طال
بي الشموخ انحنيت بأثقالي على الارض حتى يحمل كل راج
غايته ، ويصل كل ذي حاجة إلى مآربه ، واهش على نعمائي
برضاه.
مازاغ بصري عن بصيرتي ، وما ملأت كسوة بغير جسدي
حتى لا يضيق بي لابس ؛ او يتأفف مني صاحب حناديس،
بل ارتفعت ليرتفع صيتي عن كل دنس ؛ وآليت على شموخي
أن اكون متاعا لمن ضاع في مسغبته ؛ او تفرقت به سبل
اوجاعه.
تلك هي عراحين الحب في مقامات نخيل بلادي..