ناصر محمد ميسر
هذه البقعة الطاهرة الساحرة المشرقة من الأرض التي اسمها مصر..
كم مشي علي ترابها من أنبياء؟ وكم نبت في أصلها من رسل؟ وكم كتابا من كتب الله نزل بها بالهداية بالغفران, بالرحمة, بالبركات؟
وكم من المصريين عبر قرون بلا عدد سجدوا لله الواحد الأحد؟
وكم بيتا من بيوت الله معبدا كان, أو ديرا, أو كنيسة, أو مسجدا.. شهد للركع السجود, وسمع تراتيل وأناشيد وصلوات المصلين الضارعين الخاشعين المتعبدين لله وحده؟
وكم نهرا من الدموع والآهات والدعوات سال وطال وحفر في تراب مصر جداول تترقرق في حب الله, وعشق الله, وطاعة الله, والخوف من عذاب الله؟
وكم نبيا وكم رسولاخرج من أهلها وتحدثت عنه التوراة والأناجيل والقرآن؟
وكم نبيا وكم رسولا خرج من أهلها في زمان لا نعلمه ولم تحدثنا عنه التوراة والاناجيل والقرآن؟
وكم رجلا صالحا, وكم وليا من أولياء الله سار في دروبها, وكم عابدا متعبدا وحده في صومعته في ركن قصي في غياهب الصحاري والقفار عبد الواحد الأحد خالصا مخلصا وجهه لله تعالي؟
ولا مكان ولا سؤال بعد كل هذا لمن يسأل: لماذا كان الانسان المصري أول من عبد الله الواحد الأحد من بني البشر؟
ولا بأس أن نجيب بعد كل هذا..
لقد اختار الله هذه البقعة الساحرة الطاهرة الغنية من الأرض التي اسمها مصر من دون بلاد الدنيا كلها لكي يتجلي بعظمته بجلالته فوق جبالها, ولكي تهبط فيها الرسالات وينزل الانبياء ويظهر الرسل وتستقر الروح الأمين.
لقد اختارها الله لكي تستقبل كتابين من كتبه وكلماته التي قال الحق عنها: قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا.
سيدنا ادريس عليه السلام أول نبي يهبط بأرض مصر قبل نحو9500 سنة ومعه صحفه والذي علم المصريين القراءة والكتابة والحساب والتوحيد.
وسيدنا موسي عليه السلام الذي تلقي توراته من الله فوق الواح قدت من صخور جبال سيناء والتي تعرف الآن باسم العهد القديم في الكتاب المقدس.
ولقد اختار الله مصر لكل هذا النور وهذه الحظوة الالهية وهذا الشرف الرباني لأن المصريين هم حفظة الدين في كل عصر وفي كل اوان.. وهم حماة الانبياء وهم الحافظون لكتبه وآياته منذ نزول الرسالات وحتي يومنا هذا.. وحتي يرث الله الأرض ومن عليها.
ولأن المصريين لم يكونوا ابدا قتلة الأنبياء كما فعلت اليهود. مع سيدنا يحيي وزكريا الملقب عند النصاري بيوحنا المعمدان, وقد كانت رأسه الكريم ثمنا لعلاقة آثمة بين سالومي وزوج أمها.
وكما فعلت اليهود مع المسيح عيسي بن مريم عندما صلبوه بالوشاية والغدر والدسيسة.. ولكن الله رفعه إليه.
ولأن المصريين هم الذين افتدوا الدين بأرواحهم ودافعوا عنه حتي الموت.. كما فعل المصريون المسيحيون الأوائل.. وسقطوا شهداء راضين قانعين بقضاء الله.. واسم الله علي ألسنتهم وفي قلوبهم حتي علت كلمة الله وفرد طائر الإيمان جناحيه فوق ربوع مصر..
وعندما دخل الإسلام مصر.. لم يحارب المسيحيين ولم يصادر عقيدتهم ولم يحجر علي صلواتهم ولم يخرس أجراس كنائسهم, ولم يهدم صوامعهم في الجبال والوديان.. عملا بقول الله تعالي في كتابه العزيز في سورة المائدة: لتجدن أشد الناس عدواة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا, ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وانهم لايستكبرون, واذا سمعوا ما أنزل إلي الرسول تري أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا عن الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين, وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين.
وكما قال رسول الله فيما معناه: اذا فتحتم مصر فاتخذوا منها جندا فإنهم خير أجناد الله وإن لنا فيهم نسبا وصهرا..
ومازال المصريون في كنائسهم وأديرتهم ومساجدهم يعبدون الله الواحد الأحد.. ومازالت أجراس الكنائس تدق كل أحد.. والمآذن يرفع فيها اسم الله خمس مرات كل يوم.. في نسيج إيماني اجتماعي يحسدنا عليه العالم كله.. ويحاول الحاقدون المغرضون أن يوقعوا بيننا دون جدوي!!
واذا نحن أضفنا إلي هذا كله ما توصل إليه الباحثون والعلماء والمجتهدون في أمور الدين والتاريخ والحضارات وأصل الإنسان.. اذا صدقت أقوالهم وأبحاثهم حتي الآن من أن سيدنا آدم عليه السلام وأمنا حواء قد هبطا بهذه البقعة الساحرة المضيئة الطاهرة التي اسمها مصر.. فأي شرف ناله التراب المصري.. وناله المصريون حتي يرث الله الأرض ومن عليها..
الله جل جلاله يتجلي علي أرض مصر بذاته الكريمة..
وسيدنا آدم وأمنا حواء هبطا أول مرة فوق أرض مصر.. في جبال سيناء المقدسة أو علي ضفاف النيل في نفس المكان الذي يحمل اسم القاهرة الآن, وكان قبل50 ألف سنة يسمي كاهي رع وهو مكان أقدم تجمع بشري مصري علي ضفاف النيل.
وسيدنا موسي عليه السلام أول من كلم الله ودار بينهما حوار طويل علي أرض سيناء المصرية..
والتوراة ينزلها الله علي سيدنا موسي فوق جبال سيناء..
وسيدنا هارون عليه السلام يصدر الله أمرا ربانيا بتعيينه وزيرا ومستشارا لأخيه سيدنا موسي.
وسيدنا يوسف عليه السلام يجلس بأمر من الله علي كرسي وزارة التموين حارسا علي خزائن مصر وأمينا علي طعامها وشرابها من خطر الخيانة والجوع.. بعد أن بيع صغيرا كبضاعة لقافلة من التجار.. عندما تركه اخوته القساة, والغيرة تأكل قلوبهم في بئر علي الطريق المسافر من فلسطين إلي مصر..
وسيدنا ابراهيم أبو الأنبياء يمضي في مصر سنين لا أحد يعرف عددها عندما زارها مع زوجته سارة ونشر صحفه وتعاليم دين الحق والتوحيد بين الرهبان والناس..
وسيدنا يعقوب عليه السلام رد الله إليه بصره علي أرض مصر.. عندما جاءها ليري ولده الذي قال عنه اخوته ان الذئب قد أكله والذئب براء من دم ابن يعقوب..
والمسيح عيسي بن مريم جاء مصر علي دابة هربا من بطش الرومان ومعه راجلا يوسف النجار خطيب أطهر نساء الأرض أجمعين.. وأمضي نبي الله الذي جعله الله وجيها في الدنيا والآخرة شهورا فوق تراب مصر.. ورحلته المقدسة معروفة والأماكن التي زارها معروفة حتي أصبحت مزارا وحجا للناس كل سنة.
هذه هي مصر أرض الرسالات ومقر ومعبر الأنبياء ومهبط الكتب السماوية..
ولكن هل صحيح أن سيدنا آدم وأمنا حواء قد نزلا بمصر أول مرة بعد طردهما من الجنة؟
مازال العلماء يحاولون فك طلاسم هذا اللغز..
وما زال الباحثون يحاولون أن يصلوا إلي الحقيقة المجردة..
فماذا يقولون؟