تعوّدتُ أنْ ألقَى مِنَ الدهرِ ما أَلقَى
فمَنْ شاءَ فلْيرحلْ ومَنْ شاءَ فلْيَبْقَى
فلا يَمْتَحِنْ وُدِّيّ مُحِبٌّ مُفارِقٌ
لِيَعلَمَ مِنْ بعدِ النّوى أيُّنا الأشقى
ولستُ علَى أطلالِ عُمري بواقفٍ
مَضَى ما مَضَى، سُحقًا لِذَاكِرِهِ سُحقَا
.
يُظَنُّ الْتِفاتي للديارِ تَشَوُّقًا
إليها ولكنّي تَطَيَّرتُ بالمَلْقَى
.
وأَسْكَتَني حُزنٌ بقلبيَ غائرٌ
وأهونُ حُزنٍ ما أُعالِجُه نُطقَا
.
وزارَتنيَ الأرزاءُ ثمّ توطّنَتْ
بقلبي فما تنفكُّ تُطعَمُ أو تُسْقَى
.
وما عادَ يُسلِيني عنِ الهَمِّ مَركَبٌ
يسيرُ علَى رجلينِ سابِقًا الـبَـرقـا
.
إذا شُوهِدَتْ رِجلاهُ في الغربِ شُوهِدَتْ
-وما زاغتِ الأبصارُ- تخترقُ الشَّرقا
.
فلو طارَ في جَوِّ السماواتِ لم يكنْ
بزائدِ مَنْ يعلوهُ لَـحـقًــا ولا سَـبْـقَـا
.
مَضَى غيرَ مأمونٍ إذا اصطَدَمَتْ به
جلاميدُ أضحى وهْوَ مُنسَحِقٌ مَحقا
.
مَطِيَّةُ عِـفـريـتٍ يـروحُ ويغتدي
بها، لا تكادُ العينُ تَحسَبُها حَقَّا
.
وبالزيتِ تستغني عنِ الماءِ شربةً
ولا تشتهي أكلًا ولا تبتغي رِزقَا
.
تُسَيَّرُ بالكَفَّينِ لا تشتكي الوَنَى
فصبرُ الجِمَالِ عندَها كَذْبَةٌ حَمقَى
.
حوادِثُها مُستَبْشَعاتٌ بها الرَّدَى
وَأرواحُنا مِنْهَا علَى عَجَلٍ تَرقَى
.
فَرَرتُ بها مِنْ كلِّ شيءٍ رأيتُهُ
سِوَى الهَمِّ لم يَنْفكَّ يَلْحَقُ بي لَحقَا