على مرآى من عيونِ السماءِ
كانت أيادي المحبةِ تلمُّ غلالي
وتصدحُ بالغناءِ الحناجرُ والمناجلْ
لتقيمَ بيادرَ للفرحِ
وتملأ بالخيرِ القلوبَ وسلالَ الحُبِ
فينتشي بلبلٌ لغنائهم طرباً
وتتمايلُ غنجاً أعطافُ الزهرْ
تعانقُ قلوبهم برقةٍ أعناقي
وترفُ على وجوهم العامرةِ بالسرورِ
أرتالُ النسائمِ فتشرقُ محياهم بالبُشرْ
وتضحكُ في عيونِ أطفالهم
البريئةِ ألوانُ البشائرٍ
فقد أتى بعدَ طولِ إنتظارٍ موسمُ الخيرْ
الغيمُ يُرخي على قاماتهم المتعبةِ
ظلاله والشمسُ في حضنِ
السماءِ الزرقاءِ شاهدةٌ تضحكُ بالسرْ
والنهرُ يصغي بحبٍٍ لأفواهٍ
تغني للأمل المنبثقِ من رحم الغيبْ
بعد أنْ ضربهم بأسياطِ الجوعِ
فقرٌ كافرٌ أسدلَ على ملامحهم
الكئيبةِ التعاسةَ والبؤسْ
مرَ حينها في حقلي
قاتلٌ زغردَ صوتُ الرصاصِ بيده
عالياً ناشراً بالفضاءِ أنشودةَ الفناءِ
فأقيمت لحظتها أعراسُ الدمْ
ارتعشُ الحقلُ والبلبلُ خوفاً
ونامت في صمتِ القبورِ
أعناقّ كانت تضجُ بالحياةِ والحبِ
وتقدمُ للفرحِ الغائبِ موائدَ خبزْ
تَلَونَ حقلي بالأحمرِ القاني
وصبِغَت وجهي الدماءُ
وامتزجت بعرقِ الجباهِ السمراءِ
وإنحنت سنابلي حزناً للأرضْ
لفظَ النهارُ أنفاسه الأخيرةَ
وتوشحَ بعباءةِ الليلِ السوداءِ
نافحاً زفراته الحرى عابقاً بالحزنْ
تجهمَ وجه الكونِ غضباً
وفاضت عيونُ السماءِ بشلال حزنْ
أغرقَ الحقولَ وترددَ صداه بعيداً
فتلقفه النهرُ وأرسله لحضنِ البحرْ
إرتجَ السهلُ والجبلُ لهولِ المأساةِ
وأرسلَ للدنيا رسائلَ القهرْ .
الحقلُ أعلنَ حداده وبكى مودعاً أحبته
بعدَ أنْ غدى يتيماً بلا أبٍ ورفيقٍ وأمْ
صرخت الأرض وتوسلت لربها قائلةً :
إلهي مجزرةٌ إثر مجرزةٍ
ألا وضعت لكل هذا حدْ
