مِن أَينَ أَبتَدِئُ القَصِيدَةَ
واليَرَاعُ يَقُضُّ نَومَ الصَّفحَةِ البَيضَاءِ
يُفضِي لِلسُّطُورِ
فَلا يَنِزُّ سِوَى حُرُوفٍ مِن أَنِينْ .
مِن أَينَ أَبتَدِئُ القَصِيدَةَ
والجِرَاحُ تُخَضِّبُ الأَورَاقَ،
يَندَاحُ الأَسَى عِندَ الصَّبَاحِ
وحِينَ يَفتَرِشُ المَسَاءُ قَصِيدَةً مَنفِيَّةً
يُغتَالُ حُلمٌ بَعدَ حُلمٍ
فِي سَرِيرِ مُعَذَّبٍ بِاليَاسَمِينْ .
يا شِعرُ قَد أَشقَيتَنِي
وظَمِئتُ يَا مَا قَد ظَمِئتُ فَلَم تَمُدَّ يَداً
بِكَأسٍ مِن حَلِيبِ الشَّمسِ،
لَم تَمدُدْ يَداً
بِرَغِيفِ خُبزٍ غَيرِ مَا عَجَنَتْهُ أَدمُعُ شَاعِرٍ
غَالَت أَمَانِيَهُ العِذَابَ يَدُ السِّنِينْ .
وزَرَعتُ يَا مَا قَد زَرَعتُ
فَمَا جَنَيتُ سِوَى القَتَادِ،
سِوَى الرَّمَادِ
سِوَى سَكَاكِينِ الجُحُودِ تُمَزِّقُ القَلبَ الحَزِينْ .
أَوَّاهُ يَا عَينَ القَصِيدَةِ
مَن سَيَمسَحُ دَمعَكِ المَسكُوبَ مِنِّي
مَن سَيَرسُمُ فِيكِ عُصفُوراً يُغَنِّي
مَن سَيَزرَعُ فِيكِ زَرقَاءَ اليَمَامَةِ
كَي يَعُودَ لَكِ البَرِيقُ
ويَستَنِيرَ بِكِ الطَّرِيقُ
فَأَنزِعَ النَّظَّارَةَ السَّودَاءَ عَنِّي .
مَا بَينَ خَمرَيْنِ …
الهَوَى و الشِّعرِ
كُنتَ أَيَا رَهِينَ المُسْكِرَيْنِ تُنَادِمُ النَّجمَاتِ
تَشرَبُ نَخبَ مَا أَبقَتهُ أَيَّامُ اْغتِرَابِكَ
عَن بِلادٍ لَم يَعُد فِيهَا لِقَلبِكَ
غَيرُ بَيتِ الشِّعرِ مَبنِيّاً عَلَى أَطرَافِهَا
قُل لِي بِرَبِّكَ:
هَل سَتَسكُنُهُ؟ و قَد نَسَجَت وَشَائِجَهَا العَنَاكِبُ،
والمَدَى سَمُّ الخِيَاطِ بِنَاظِرَيكَ
وأَنتَ مِن هَمٍّ إِلَى وَهمٍ تَسِيرُ إِلَى يَقِينْ .
دَينٌ ثَقِيلٌ فَوقَ كَاهِلِكَ الضَّعِيفِ
فَمَن سَيَحمِلُهُ،
إِذَا اْنتَهَت الخُطَى بِكَ صَوبَ قَبرٍ
فِي ضُلُوعِكَ
مَن سَيَرتِقُ ثَوبَ قِصَّتِكَ الَّذِي قَدَّتهُ مِن دُبُرٍ
يَدُ اْمرَأَةِ العَزِيزِ
ولَفَّقَت تُهَمَ التَّحَرُّشِ كَي يُزَجَّ بِجِسمِكَ الوَاهِي
إِلى سِجنٍ جَدِيدٍ،
صَاحِبَاكَ بِهِ خَيَالُكَ و الجُنُونْ .
مَن ذَا يُفَسِّرُ حُلمَكَ الأَزَلِيَّ
والصِّدِّيقُ قَد أَلقَاهُ أِخوَتُهُ بِجُبٍّ
ثُمَّ جَاءُوا بِالقَمِيصِ
عَلَيهِ مِن دَمِ كِذْبِهِم مَا يَفتَرُونْ .
مَن ذَا يُفَسِّرُ حُلمَكَ الأَزَليَّ
فِي سَبعٍ عِجَافٍ
قَد أَكَلنَ فَمَا شَبِعنَ
وقَد شَرِبنَ فَمَا اْرتَوَينَ
وقَد جَلَسنَ فَمَا بَرَحنَ مَكَانَهُنَّ
وقَد … و قَد …
حَتَّى تَبَدَّدَتِ السَّنَابلُ
جَفَّ نَهرٌ تلوَ نَهرٍ كََانَ يَروِي الظَّامِئِينْ .
يَا شَهرَ زَادَ قَصَائِدِي:
كُونِي جُوَارِيَ حِينَ أَفتَتِحُ القَصِيدَةَ
عَلَّنِي مِن نُورِ وَجهِكِ أَستَمِدَّ وَضَاءَة المَعنَى
فَأُبِدِلَ نَبرَةَ الحُزنِ التي سَكَنَت طُيُورَ قَصِيَدِتِي
لَحناً شَجِيّاً فِي فَضَاءِ العَاشِقِينْ .
لا تُحدِثِي الضَّوضَاءَ حَولَ شَوَارِدِي
لا تَفتَحِي التِّلفَازَ
لا تُصغِي لأَخبَارِ الكَوَارِثِ
والحُرُوبِ،
فَقَد مَلَلتُ الحُزنَ فِي صَوتِ المُذِيعِ
نَسِيتُ أَنَّ اليَومَ مِيلادُ الرَّبِيعِ
فَلَم أُقَدِّمْ وَردَةً لأَمِيرَتِي
لَم أَحتَفِلْ مَعَهَا بِعِيدِ اليَاسَمِينْ .
يا شَهرَ زَادَ قَصَائِدِي:
لا تَبعِدِي
فَمَخَالِبُ اللَّيلِ الطَّوِيلَةُ سَوفَ تَنهَشُنِي
إِذَا مَا غِبتِ عَنِّي
سَوفَ يَغرِسُ حُزنِيَ النِّيلِيُّ نَاباً
فِي أَدِيمِ قَصِيدَتِي
ولَسَوفَ تَذرُونِي الرِّيَاحُ الهُوجُ
فِي كُلِّ اْتِّجَاهْ .