وأنذرتكم نارا تلظى
(1)
وطلت على شرفات الظلال عيوني
تسحُ الدموعً ، ويصهلُ فيّ الحنينُ
وطارت على أول الدروب روحي
تئن يدثرها الثلج تُصغي
لصوت يسافر في الدمع ثم تطويه الرياح
فأدلجت وحدي ألبي نشيد البروق
وأحفر صخر البهيم ، ليطلع ثغر الصباح
ولما تجلى يضمخه الدم ذاك الحبيب
توقدت حتى تناثر جسمي عليه
وعلقت فوق رموش التراب رفاتي
(2)
كأنك ظلي ، تطل سنسنا بعيدا قريبا
لترسم فوق جبين السماء كسوفي
تطل حماما يرفرف فوق التلال اللواتي
يُعبئن روحي أريج الأصيل
تطل فراشا يسل جذور الرحيل
ويهدم في جبال المنافي
فمن قال أني نسيته
فقلبي يراه السعير
فظل ينز على راحتيك قتيل الرحيق
(3)
أسير يؤرج روحي دبيب تراب
يواري وجوه الكواكب بين الضلوع
أراني تفجرت نارا، وكنت اللهيب
وكانت دمائي ثلوجا تغسل روحي الثكالى
وتروي يبابا تمطى على وجهك النبوي
اضاء عروق الليالي ، وأوصد باب الطريق
أراني أحلق فوق الغيوم
وأقذف هذا الزمان ،
زمان قميء يقوس كل الرواسي
ويطفئ أنى يشاء نجوم الفضاء
زمان يؤدلج رأس النشيد
يكمم ريح الوطيس
يجلجل ينزع منا صهيل الخيول بساح النقيع
صليل السيوف ، هزيم الرعود بصدر الفوارس
لنعدو عُراة أمام الضواري
نشيد يمزق جلد الوحوش
ويزرع ريش النعام على جسمنا المستباح
فيه الدماء .
نشيد كما الزمهرير يجمد صوت الرصاص الجميل
نشيد يسيرنا كيف يشاء
لنؤمن أن القدر تجلى ليمحو الضباب
ويرسم شكل الطريق
ويمسح ما ظل من ذكريات تنز النجيع على
من تواروا خفافا بكهف الإاب
يجند في الصمت سرب الجراد
ليأكل رأس يبوس على طاولات
تطرز في ألفق ثوب الحمام
فأنى نسير إليك وأنت تبشر
أن السقوط على راحتيك حطام
(4)
ورائي تركت العيون تعلق فوق النوافذ
ما تبقى من دموع
تركت على الجمر أمي
تصلي صلاة الوداع بليل الحريق
وأوصيت لا تذرفي الدمع فوق الصور
فإني توقدت حتى استحلت لهيبا
فلا تحزني وارفعي حبهة الجرح فوق السحاب
فإن النجوم تبشر أني سأعلو على قمة الشمس نسرا
يفتح باب الغيوم ويسعر قلب الفضاء
توقدت أماه حتى نزعت النشيج
وظل بروحي نشيد المطاف الأخير
لأرض تحمم في نبعها الأنبياء
تعالى رنين العنادل فوق غصوني
يزلزل في الصخور اللواتي شيدتها
سنون المنافي
وظلت دموع الثكالى اللواتي تساقطن
فوق رفات الزنابق يسألن أيني ،
ولما رأيت رياح الزمان الخؤون تهب
وترشق صدر السماء بياضا
يفجر فيّ الظلام
ويوصد باب الرجوع
بوجه يراه الصرصر
رحلت جريئا وحيدا
أمزق ذاك النشيد
وأرفع سيف الأصيل
(5)
أنا الحوتري قطعت المسافات وحدي
وكانت ترفرف فوقي طيور الأبابيل
تصدح ، ثم تغذي عروقي وقودا
لكيما أذوب ذاك الجليد الذي
تربع فوق الفصول زمانا طويلا
أتيت ألا ايها الناحبون
لاقذف جسر الفراق جمارا
تهشم ما خلفته سنين التردي بعمق الفراغ
أتيت لأزرع رعب الدماء على نجمة نسجت
من جراحي
أتيت لآشفي صدور الذين تردوا على قارعات
الدروب حزانى يفوحون شمسا
أتيت لأرفع كل الرؤوس
اللواتي نكستها رياح العصور .
(6)
وصلت إليك أخيرا
وحدقت في دمعك الأرجواني
فأمطرني
وألقى عيوني بعيدا على بيدر الذكريات
بكيت على صدرك القرمزي
وأمعنت حتى ضممت التراب الشهي
وحممت جسمي بشمس تعلمني منذ كنت
طفلا نشيد الفداء .
(7)
وقفت أمام الغرابيب وحدي
ضحكت وصحت آن الآوان
تعالوا فإني انتظرت سنينا
بشوق لهذا اللقاء الجميم
أنا الحوتري وهذا نشيدي
تفجر جسمي شظايا
وصارت دمائي براكين تشرع بحر الجحيم
وتكسر زيف المرايا
وصرت رفاتا توزعني الريح فوق جباه الجهات
فغرد بحري وصاح
– أخيرا أتيت تعال لأرشف دمك نبيذا
يطفئ أوار العواصف
وغنى التراب وقال :
تعال أقبل وجها تهادى حريرا
يضمد ما خلفته جراح الغياب
وصلت جموع الحقول صلاة المسافر
تساقط من حدقات الغيوم المطر وقال
الشجر
تعال لتعرف أنك كنت سعيرا تضوع منه
رحيق الورود
فليتك تحيا
لتنظر كيف تصير الجسوم رمادا
وكيف تطير الرؤوس على صدري الممتد فيك
(8)
سلام عليك
زرعت برحم اليباس النجوم
وأزهرت فوق الدروب
وغيرت وجه الطريق
وظل زئيرك يعلو
فأسقطت هذا الزمان
وذاك النشيد
زمان السقوط بغور الظلام
شعر: الشاعر محمد العداربة