يا عنب الخليل / شعر الشاعر العربي الكبير غز الدين مناصرة

نعيد  نشر  قصيدة    يا  عنب  الخليل  للشاعر  العربي  العربي  الكبير   عز الدين  مناصرة  بمناسبة  دخوله  عامه  الثالث  والسبعين . 
********************************

سمعتُكِ عبر ليل النَزْف أغنيةً خليليَّةْ

 

يردّدها الصغارُ وأنتِ مُرخاةُ الضفائِر

 

أنتِ داميةُ الجبينْ

 

وَمَرْمَرَنا الزمان المرُّ يا حبّي

 

يعزّ عليَّ أن ألقاكِ … مَسْبِيَّهْ.

 

سمعتك عَبْر ليل الصيف أغنيةً خليليّة :

 

– خليلي أنتَ: يا عنب الخليل الحرّ … لا تثمر

 

وإنْ أثمرتَ، كُن سُمًّا على الأعداء، لا تثمر!!!

 

*           *           *

 

عنبٌ جَنْدليٌّ وإيقاعُهُ فاعلنْ ﻓﻲ المزادِ، وقيل: فعولنْ

 

لأن الخببْ

 

يرتوي من بحور الذهبْ.

 

– فيمشي الهُوينا كدحرجةٍ لقناني النبيذ على الطاولاتْ

 

ﻭﻓﻲ بيتَ لحمَ التي لا تنامْ

 

يَحِلُّ عليه التعبْ

 

ينام على حجرٍ من صخبْ

 

لترعاه عينُ العناية ﻓﻲ حضن بَعْلَ الذي لا ينام.

 

الخليل تفضّلهُ ﻓﻲ الصباح زبيباً ودبْساً،

 

إذا كانَ مَلْبَنُهُ صافياً كبنات الشآم.

 

سُكّراً كبياض خليليةٍ مثل شمس تغار من الشمسِ،

 

كي لا تغار من الورد، من حمرة الوجنتينِ،

 

ولين القوامْ.

 

ونحن الأعاريب نعشقها كرمةً تتجلّى غلالاتها ﻓﻲ المنام

 

نخبئها ﻓﻲ السلاسل، بردانةً، ﺛﻢ بين فروع النباتْ

 

نُمزمزها ﻓﻲ الصواني،

 

إذا هَلَّ هذا الصقيع على الكائنات.

 

ونقطِفُها ﻓﻲ ديسمبرَ،

 

ﻓﻲ عيد عيسى عليه السلام، عليهِ السلام.

 

*           *           *

 

غريبُ الدّار يا حبّي ، غريبُ الدارْ

 

يَظَلُّ يلوب ﻓﻲ البلد البعيد على حدود النار.

 

رياحٌ قد تهبّ تُذيب أفئدةً جليديّة

 

وحول مقابر الموتى من الأحياء

 

تظلّ تحوم طول الليل، جنيَّة

 

تغنّى الليل، أحلام الثكالى … والدجى المسكونْ

 

وتلعن من أطالوا الليل يا حبرون!!!

 

*           *           *

 

عنبٌ دابوقيٌ كرحيق النحل على يافطةٍ بيضاء

 

عنب دابوقيّ يتدلّى من عُبّ الدالية كقرط الماسْ

 

عنب دابوقيٌ لا يشبهه أحدٌ ﻓﻲ الناس

 

عنب دابوقيٌ يصهل مثل مغنية خضراء

 

عنب دابوقيٌ يتمدد كامرأةٍ ﻓﻲ شمس المسطاح.

 

الملبن كالزبدة كالشهوة ﻓﻲ الخلْوة مثل ندى التين،

 

كحمحمة الأنثى ﻓﻲ أطراف الكاسْ.

 

أثقبُ دائرة الكونِ ﺇﻟﻰ اللُبِّ الحسَّاسْ

 

أثقبُ بالإزميل الليل، يناديني البُلبلُ من قلب الأحجارْ

 

ليغنّي لقبور الأجداد

 

عنب دابوقيّ من جبل الشيخ يناديني:

 

من جبل الشيخ … أيا بَرَّادْ

 

من دمع كروم الكنعانيين، صلاة الأسياد

 

من لهفة جدّتنا ﻓﻲ الصحراء على الماء

 

من طين الحوَّرِ، تعصِرهُ تنتظر النبع المتدفقَ

 

ﻓﻲ غربتها.

 

وَسأرضعُ من لَبَنِ الداليةِ، أحرُفَ جَدّي،

 

من حقل الآراميْ

 

وكذلكَ من حجر رخامٍ ﻓﻲ مقلع جفرا الكنعانية

 

عنبٌ دابوقيّْ

 

عنب دابوقيّ

 

عنب دابوقيّ.

 

*           *           *

 

سمعتكَ عَبر ليل الحزن أغنيةً خليليّة

 

تصيحُ طوال جمر الصيفْ:

 

هنا يبكون خلف السدر والزقّوم.

 

(أبو الفقراء والأيتام) مرّ يقولْ:

 

هنا يستيقظ الإسفلت والزيتون

 

متى ترجع!!!

 

وهل ﻓﻲ القبر من يسمع!!!

 

صراخ فؤادك المحموم

 

إذا الأحياءُ ماتوا ﻓﻲ ذُرى (خِلّْ إيلْ)

 

قريباً، يزهر الليمونُ يا ذُرى (خِلّْ إيلْ)(1)

 

*           *           *

 

كان (نَعيميٌّ)، ينهر بغلته ﻓﻲ أوَّلِ خيطٍ للفجر

 

كي لا تترضرض أثداء العنب الدابوقيْ

 

يشرح ﻟﻲ عن سلسلةٍ من نسبٍ لسلالة أجداد الكرمة

 

كنتُ أرافقه للسوق على ظهر الفرس الشهباء

 

يتغزل باللون، وبالطول، وبالطَعْم، وبالأسماء

 

قال خليليٌّ من عصر الإحياء:

 

– أنت خليليّ كالعنب المُرّ المتأخر ﻓﻲ النضجِ ،

 

الأصلب عوداً ﻓﻲ الوعر ﻭﻓﻲ الأزماتْ

 

تبدأ حين القافلةُ الخضراء

 

تجأر بالشكوى ﻓﻲ ليل حجريٍ موبوءْ

 

وتظل الرمحَ الضاحكَ ﻓﻲ آخر نفَسٍ للشجرةْ.

 

كان الوسطاءُ سماسرةً يمتصّون النَّصر كدبُّورٍ،

 

يمتصّون عروقي، وعروق أﺑﻲ.

 

كان أﺑﻲ يتأكد من خاتمة العنب الدابوقي

 

حتى لا تسرقهُ الخمَّارةْ

 

حتى لو خسر جهارا بغلته وحمارهْ

 

– الفاسدُ يا ولدي يتخثر ﻓﻲ الجسد كجيفة

 

ﺛﻢ يجفّفُ نبعَ القلب.

 

كان يُداريني حين يداهمني التعب، وكان يغطّيني

 

بعباءته من لسعة بردِ سُرى الليل.

 

عنب دابوقيّ كنعانيّ شَفَّافٌ كغلالة عذراء

 

كقناديل بنات النعش الفضيّ

 

يتدلّى فوق سحاحير الفجر ملاكاً يغرق ﻓﻲ النومْ

 

عنب يتدلَّى أحياناً مثل الأكفان

 

حين نبيعك، يمتلئ القلب بحزن أبديٍّ،

 

يمتلئ الجيب بخسران

 

فبأي طريقٍ نحميك من البهتان!!!

 

*           *           *

 

سمعتكِ عَبْرَ جمر الصيف أغنية خليليّة

 

تظل ترنُّ خلف التلّ منسية

 

إذا ما استنسمتْ ريحاً بوادي الجوزِ،

 

غربيَّةْ

 

تظل تنوح ما ناح الحمام على سواقي الحب،

 

فوق ضفائر الزعرورْ

 

ﻭﻓﻲ المذياع، أصواتٌ، علاماتٌ أثيريّة:

 

– خليلي أنتَ يا عنب الخليل الحرّ لا تثمرْ

 

وإنْ أثمرتَ، كن سُمًّا على الأعداءِ،

 

لا تثمر!!

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!