يَسُرُّني أَنّي بحزني حَزينْ
وأَنه يَكفـي لِآتِـي السِّنـينْ
وأنه ما زال أَسخَى يَدًا
وأنني ما زلتُ لا أَستَدين
وأنني لولا اغتِنائي به
لَكُنتُ في “للهِ يا مُحسنين”
وأنَّ لي عُمرًا قَضَى نَحبَـهُ
مُناضِلًا في خدمةِ المَيّتين
مَرَرتُ بالدُّنيا سَريعًا، كما
يَمُرُّ في بالِ الأَسيرِ الكَمِينْ
وقلتُ والأيامُ خَلفي: لقد
سَبقتُ يا دُنيا.. متى تَتبعين!
أنا امـرُؤٌ أَلْهَـتهُ عن عَيشِهِ
قِيامةٌ في كُلِّ يومٍ تَحين
مِن افتراسِ الموتِ يَنجو، إلى
سَلامةٍ تكفي لِقَتلِ المِئين
كقـاتِلٍ يُؤذِيهِ في نومِهِ
حَنينُ مقتولٍ كَثيرِ البَنِينْ
وما له حَولٌ لِإرجاعِهِ
ولا لِهَجرِ النومِ خَوفَ الحَنين
***
يَسُرُّني في الحزنِ أنّي على
دفاتري منه اكتِمالٌ مَكِين
أعُـوذُ بالجَبّـارِ مِن جُملةٍ
كَتَبتُها، ليست بحَجمِ الأنين
وآهـةٍ دَارَيتُ إغراءَها
كما يُدارِي الجُوعَ طاهٍ سَمين
ومِن أذًى بالصّمتِ حارَبتُهُ
لأنَّ بعضَ الصّمتِ رَدٌّ مُهين
ومن عَداواتٍ تحاشَيتُها
لأنني صِرفٌ، ودَهري هَجين
قصائدي ليست سَماويّةً
ولا رماديًّا ثَراها الثمين
إذا بَكَت، أو سال منها دَمٌ
فإنها مِن جَوفِ وَعلٍ طَعين
وإِن بَدا صَوتي ضَعِيفًا بها
فإنّ بي شَعبًا مِن المُنهَكِين
تركتُهُم يَحكُون أوجاعَهُم
ولم أقُل إني بِشِعري ضَنين
وكيف إِن أَعرَضتُ عنهم غدًا
سأُقنِـعُ التاريخَ أني أَمين؟!
هناك أَصواتٌ تقول انتقِم
بقَسوَةٍ.. أُخرى تُنادِي بِلِـين
هناك مَن يَرجو اقتِناصَ السُّها
هناك مَن يَكفِيهِ رَفعُ الجَبين
وثَمَّ مَن يُوحِي إِليَّ: استمِع
حِوارَنا، واكتُب، فأنتَ الفَطين
كأنه مِن فَرطِ إِرهابِهِ
رَأى بِعَينِ الشّكِّ عَينَ اليَقين
(يَقول لِلشيطانِ في رأسِـه:
عليكَ لا أَدري بمَن أَستعين
يُجيبُـهُ الشيطانُ مُستَغفِـرًا:
أَلَستَ في صَفِّ القويِّ المتين؟!
أَمِ انَّ “بعضَ الناسِ” قد أَخرَجوا
صَحائفَ الإلحادِ لِلمؤمنين؟!
يُجيبُ: إِيماني انتَهى عندهم
لِأَننـي صَلّيتُ بالمُلحِـدِين
وأنني حين استَباحُوا دَمِي
أدَنتُ بالإرهابِ مَن لا يُدِين
وأنني قلتُ: اجمَعوا أَمرَكُم
مَذاهبُ الأديانِ ليست بِدِين
وحينمـا ازدادت خِلافاتُـهم
خَرَجتُ عن إِجماعِهِم أَجمَعينْ
وقلتُ: يا قَومـي لكم دِينُكُـم
ولي -كما قُلتُـم- ضَلالِي المُبين
فلا تَزيدوني اعتِسافًا، ولا
تُصنّفوني مِن (يَسارِ اليمين)
لقد عَبَدتُ اللهَ حُبًّا به
وليس بالقُربانِ أَو بالقَرين
وقِبلتي صارت إلى وَجهِهِ
بـ(مَكّةَ) استَقبلتُها أو بـ(ضِين)
وما خَذَلتُ الدِّينَ يومًا.. ولا
نَصَرتُهُ مِن أَجلِ حُورٍ وعِين
وسوف نَلقى اللهَ سُبحانَه
وكُلُّ مَن خان المواثيقَ خِين
فأعلَنُـوا أَنـي بمـا قُـلـتُهُ
كَفَرتُ بالإِسلامِ والمسلمين
وكلما استَرجَعتُ، أَو قلتُ: لا
إِلهَ إلّا اللهُ.. قالوا: لَعِين
وأمطرَت شَتـمًـا إجاباتُهُم
لأنهم لَيسُوا سِوى مُفلِسِينْ
تَقطّعَت في الأَرضِ أَرزاقُـهُم
فأصبَحُوا بالدِّينِ مُستَرزِقِينْ”)
.
.
.
ويَصرخُ الشيطانُ: تَبًّـا لكم
شَغَلتُموني “يا عيالَ الذين”
أقولُ: هذا كُلُّ ما عندكم؟!
كأنكم لستم بمُستَعمَرين!
***
تَشـدُّني مِن أُمِّ رَأسي يَدٌ
كما يَشـدُّ القلبَ حزنٌ دَفِينْ
يقول نَجمٌ طال إِيقـادُهُ:
متى أَوَانُ الصّبحِ هذا يَئِين؟!
تقول لِلشُّبَّـاكِ عُصفورةٌ:
لِكُلِّ لَيلٍ شـابَ صُبحٌ جَنينْ
تَلُوحُ لي صَنعاءُ مكسورةً
وبين جَفنَيها سَرابٌ عَجين
وحُزنُها الطينيُّ أَدنَى إلى
نِياطِ قلبي مِن مكانِ الوَتين
وكيف لا أَبكِي عليها دَمًا
وبيننا عَيشٌ، ومِلحٌ، وطِين!
وطالَما سِـرًّا بَكَـتني، كما
بَكَت على (وَضّاحَ) (أُمُّ البَنين)
يَسُرُّني إنكارُ حُزني.. إذا
رأيتُ صَنعا، بين حِينٍ وحِين
وقلتُ يا صَنعاءُ لا تَحزني
سَعادةُ السَّجَّانِ حُزنُ السَّجين