لآفاق حرة
ذهبت للمشفى الحكومي لعمل فحص السيولة، وكان هو على موعد مع مشفى للطب النفسي.
اتفقا مسبقاً على موعد قصير في الثامنة صباحا، أتى المقهور.. بحث عنها في العيادة التخصصية والمختبر ومركز القلب مراراً وتكراراً حيث يفترض أن تكون، كانت نبضات قلبه تسبق خطواته في البحث عنها، قضى وقتاً طويلاً وهو يمشي ،عاد إلى نفس الأمكنة
. . سأل عنها . . لا إجابة!
كان على شفا جرف هار؛ فانهار به.
غادر المشفى الحكومي، عرف أنه حتى لحظة الوداع القاتل لم تتحقق كما هي أمنياته، وصل متاخراً عن موعده إلى مشفى الطب النفسي، بدأ عمله منهكاً ومسجوناً في ذاته ومقتولاً في وجدانه آلاف المرات ، لم يكن على نشاطه وحيويته كاللقاء الأول ، وفجأة سال الدم من أنفه بغزارة ، تطاير إلى وجهه وشفتيه ويديه وقميصه؛ اصطحبه زميله إلى دورة المياه والطبيبة تقول له :
أسرع الدم ينزف كثيراً..
ضغط زميله بأصبعيه الوسطى والإبهام على أنفه لإيقاف النزيف الجارف بحجم ألمه، ظل دقائق يرى حبيبته في دمه، رآها في شفتيه المائلتين للحمرة، لمح طيفها في قميصه، تحسس الدم بيديه فوجد يديها الهاربتين كشهقة الموت الأخيرة . أعاد سرد سنوات العشق المنتهي بسراب تلك اللحظات، قلب في الذاكرة وفتشَّ فيها عن السكون والكمون والجنون، وحينها أدرك ذاك المقهور آناء الليل وأطراف النهار أنه الوداع، ليس بلقاء قصير أو لحظات منتهية كأي وداع اعتيادي؛ بل كان وداعاً بطريقة الدم ..
قاص وناقد يمني.