فاجعة/بقلم: عبدالقادر محمد الغريبل(المغرب)

لم يعد شاطىء مارتيل كما كان من قبل، لا يمكنك أن تخطو خطوة دون أن تتعثر في بعض العجزة البائسين، الذين استهلكوا حياتهم، ولم يعد لديهم إلا إصرار على مواصلة التنفس ولو بصدور نخرها الربو، وتحد لمتابعة التحرك ولو إتكالا على عصي يثقون بها أكثر من سيقانهم الواهنة.

عادة يقصد مطعمه المعتاد، يطلب الأطعمة ذاتها، الغالبية منهم، يجلس بمفرده، الطاولة عينها كل يوم ولا يفوت أي يوم أبدا ما عدا أنه في ذلك اليوم …تحول غريب في عاداته، كأنه نسي نفسه، ليغير وجباته، ربما أوامر الطبيب فذلك أمر شائع جدا.
إنه مسن ويحب أن يتذكر فتوته، حينما كان في ريعان الشباب ، لا كهلا يعاني من ارتفاع ضغط الدم الذي يظهر جليا في وجه محتقن ذو لون أرجواني، و ضيق تنفس مما استهلكه فوق طاقته باستنشاق السعوط الذي سد فتحتي أنفه ما جعله كثير المخاط ضعيف الشم. بدا كأنه ليس على سجيته تماما، من غير الممكن أن يحصل على شيء ما دون مقابل، الأمر قد يبدو عاديا، لكنه جد مقلق لمسن مدمن *للتنفيحة، لو لم يكن فقط الأمر فجائيا، فموته كان فجائيا فقبيل ذلك كان ببهو النزل يطلق نكاته الطريفة و يروي قصصه العجيبة لجلسائه المألوفين، لا شيء به، مليئا بالرضا، متخما بالفرح، لم يسبق لي من قبل أن رأيت شخصا على قيد الحياة، وفي وقت وجيز يحدث له ما حدث، لم أتخيل ذلك أبدا قطعيا.

يا للعجوز المسكين مستلقيا على أرضية غرفته، مرتديا ملابسه منتعلا حذاءه، كأنه متأهب للتمشي.
هناك من زعم أنه لم يكن بحاجة أن تزهق روحه بغتة، لو اعتنى بنفسه جيدا واهتم بسلامة صحته، متناسيا أن لكل إمرئ أجله.

ربما وفاته بنوبة قلبية أو دون ذلك، قلة من الناس يموتون بمشاكلهم الصحية، يا للهراء بالحديث عن الأمراض قد يشعرني ببعض القلق والضيق، وخاصة تلك الأعراض المريعة التي تطال عادة كبار السن كالخرف، الإرتعاش اللاإرادي، الروماتيزم، تضخم البروستاتا، السكري، الإنزلاق الغضروفي إلى آخر متلازمات خريف العمر، قد يبدون قبيحين و مملين لبعض الناس بهفواتهم كصغار الأطفال، ما جنح بي للتفكير لو حدد العمر في سن الخمسين، دون أن ينتهي بنا المطاف عاجزين على شد خيوط أحذيتنا.

أحيانا لا يكون القدر رحيما ليحقق رغباتنا حتى التي هي حق وليست امتيازا، فمن المحزن جدا أن يموت المرء وحيدا هكذا، ومن المؤسف أيضا معاينة أغراض شخصية لمن رحل حديثا، تاركا أشياء لن يحتاجها ثانية أبدا كنظاراته الطبية، عكازه،طقم أسنانه، أمواس حلاقته، مشطه أو مثل هاته .. جعبة السعوط خاصته، أشياء عادية رأيناها ونراها لدى عامة الناس.

لقد قضى هنا أوقاتا طويلة، يذكره الجميع شخصا يعيش وحيدا بلا زوجة أو كلب يحرك ذيله فرحا به ، أو قطة تتمسح فيه، كل منا بحاجة ليحظى باهتمام الآخرين به، ولو اقتصر الأمر بالاصغاء إليه.

لشد ما أتمنى أن يدفن في مقبرة بلده، ليزور قبره أهله للترحم عليه، في غضون أسابيع ، لن يتذكره أحد أو حتى يمر بخاطره، إلا في قلوب محبيه، و هذه الفاجعة قد توقظنا من نسيان الغفلة. سأحمل ذكراه معي دائما مفتقدا قصصه الغريبة التي لها رفد في ذاكرته القوية ومخزن بخياله الخصب.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!