كانت قد تجاوزت أربعة عشر ربيعاً عندما دُسَّ في دماغها أن الحياة قاسية ومكتظّة بالظلم، وكانت على مشارف الخامسة عشر عندما علمت أنّ الشّيطان يُدعى: ((ويليام)).
إنّها الثانية عشر مساءً من يوم شديد البرودة في مقاطعة البندقية_إيطاليا_، كانت القشعريرة تنصَبُّ في كل الأنفس، سرعان ما تحوّلت الأشجار المحيطة بأفنية المنازل إلى كومات من الثلج النّاصع، وسرعان ما اختبأ الجميع في بيته ملازماً المدفأة خاصته، إلاّ عائلة “تشارلز”، المكونة من أرملةٍ تسعى لحماية رضيعها الذي لم يره أباه، و ابنتها “إيميلي”.
تلك الفتاة التي لم تتجاوز الرابع عشرة من عمرها، كانت كالياقوتة في نضارها وجمالها، كثيراً ما كان يُطلَق عليها ” روبانزل”، وذلك بفضل حقول القمح الطويلة المزروعة في رأسها، كانت تلك الحقول التي اكتسبت صبغتها من الشمس، دائمة المداعبة و التقبيل لخصرها.
أصبحت “إيميلي” بعد موت أبيها المسؤولة الوحيدة عن أمها وأخيها، لذا كانت كثيرة الالتزام لأوامر أمها، لا ترفض لها طلباً.
-هاكِ المنشار، هيّا يا بنيّتي، أسرعي، أخوكِ سيموت من البرد!.
-حسناً أمي، كما تشائين.
-أوه نسيت، تعالي إلى هنا كي أجدّل لك شعرك، لم يعد لدينا أي شيء، حتى أضحى شعرك أغلى ما نملك، لا نريد أن نفقده إثر عيون الناس الحاسدة.
ركضت مسرعة إلى الحديقة المحيطة بمنزلهم، فكما قالت لها أمها، أن الأشجار هناك دائمة الخضرة، أخرجت المنشار اليدوي وأخذت تقطع ما تيسَّر لها من الخشب، كلّ ما اعترض طريقها من سنديانٍ وبلّوط، ومن شدة عزمها وحركتها، خرجت ضفيرتها من قبعتها، وتناثرت شذرات الثلج عليها، أعاقت تلك الجديلة عملها لكنها لم تتوانى وأكملت مهمتها. كانت مهمة صعبة بالنسبة لطفلة بهذا العمر، لكنها كانت مختلفة جدا عن باقي الفتيات، كانت دائمة الإصرار على تحقيق مبتغاها.
وما هي إلا دقائق قليلة حتى فُتِحَت مسام بشرتها الرقيقة مخرجة من خلالها قطرات العرق التي تناثرت لامعةً هنا وهناك. أنهت “إيميلي” وظيفتها حاملةً بجعبتها كيساً ثقيلاً كان قد صَعُبَ عليها حمله.
فتاةٌ جميلة في مُقتبل العمر بضفيرة شقراء طويلة، في وسط المدينة وحدها في هذا الوقت من اليوم، الكل في منزله، وقتٌ مناسب لبعض أعمال الشغب أليس كذلك؟ في الواقع نعم، بالنسبة ل”ويليام” الذي اعتاد على أعمال السرقة والغطرسة التي تزعزع كيان البلدة، فقد ذاع صيته في كل حدبٍ وصوب وكثرت المكافآت لمن يأتي به حياً، لكن وعلى الرغم من المحاولات العديدة للقبض عليه، إلا أنه لم يقع في شباك العدالة ولا مرة، كان الكل يحذر منه، إلا أم “إيميلي” فقد نسيت تحذير ابنتها من الوقوع في براثن شرّه.
-يبدو أنه حريّ بي عرض المساعدة لتلك المسكينة، يالها من فريسة سهلة، أهو يوم حظي؟!
(قال في قرارة نفسه)
ثم مضى نحوها كالذئب يسيل لُعاب الشر من بين أنيابه.
-هاتي يا صغيرتي ما بحوزتك، سأحمله لأجلكِ يا حلوة، لكن لمَ أنت هنا في هذا الوقت من الليل؟
-آه يا عم، الحمدلله كنت أحتاج لمثل هذه المساعدة، في الواقع، أبي “مارك تشارلز” توفي منذ قرابة الخمسة أشهر، وأنا الآن المُعيلة الوحيدة لأسرتي!
وقع اسم أبيها كالصاعقة في داخله، نعم هو، هو من قتله، كان رجلاً نبيلاً شريفاً يسعى لسعادة عائلته وجيرانه، وكان هدفاً مناسباً ل”ويليام” لكي يقتله، لأنه شديد الشراهة لقتل أمثال هذا الرجل، وكأن له ثأرٌ مع كل الرجال الطيبين.
-ابنة “مارك” ماثلةٌ أمامي! يا للهول! بالطبع اليوم يوم حظي! سويعاتٌ وستلتحقين بأبيكِ.
حمل الكيس عنها و رافقها الدرب متعمداً إلهاءها حتى شردت عن الطريق.
– يا عم، أين أنا الآن، من المفترض أن تكون وجهتي إلى بيتي من الجهة المعاكسة.
وقبل أن تتم جملتها سدّ فمها وطرحها أرضاً، فقدت الوعي إثر اصطدام رأسها، حمل خطيئته ومضى مسرعاً، فمعدته تزمجر جوعاً لالتهام هذه الوليمة.
فتحت عينيها على صوت مقصٍ شره، نعم، يبدو أن حقول القمح قد حُصدت بشكل جائر، كان قد أنهى قص جديلتها عندما استعادت وعيها بشكل كامل.
-لا…لا… ماذا فعلت أيها الشرير؟
-ههه، لن يفيد صراخك هذا شيئاً، أتعلمين، تشبهين أبيك جداً، لم أكن لأستغرب أنكِ ابنته حتى لو لم تذكري ذلك.
-ماذا، ما هذا الذي تتفوه به؟! أيها القذر، ستندم لقاء هذا.
-أتعلمين، لقد قاوم كثيراً ريثما لفظ آخر أنفاسه، كان يتمتم بأسماء، أظنها أسماؤكم.
-فعلت فعلتك بأبي، ما حاجتك بي؟
رمى جديلتها، ثم انصرف يدندن كلماتٍ مُبهمة.
في أثناء غيابه، حاولت “إيميلي” فك القيد، لكن محاولاتها باءت بالفشل، لم تجد وسيلة إلا أن تحتضن ما تبقى لها، تمدّدت كثيراً حتى لامست قدمها ضفيرتها، بصعوبة التقطتها بأصابع قدمها، أحسّت ببعضٍ من النشوة حينما حصلت عليها، لكن سرعان ما تلاشى فرحها عندما دخل عليها مجدّداً.
-كيف حال صغيرتي الجميلة، يبدو أنّه حان وقت الإذعان لي أليس كذلك؟
أطفأ عقب السّيجارة في ساقها، ودنا منها بشهوانيّة مفرطة، صرخت من ألمها ولم يكن في يدها حيلة، كانت تقاوم ذلك المفترس بكل ما أوتيت من قوة، لكن رجلاً لا يمكن إيقافه من قبل طفلة، حيث استطاع أن يضع ثقل جسمه القذر عليها، ولكن في هذه اللحظة، وبشكل اعتباطي لا إرادي، وبدون تخطيط مسبق، أمسكت بضفيرتها بكل قوة، وجعلت تخنقه بها بكل عنف، لقد تحولت إلى فتاة وحشيّة في تلك اللحظة، فقد الوعي إثر الخنق، استطاعت بكل دهاء أن تحصل على السّكين القاطن في جيبه، ففكت يديها واستعادت رباطة جأشها.
همّت بالرحيل بسرعة، لكنّها قبل ذلك التفتت إليه التفاتةً أخيرة، ثم أطرقت:
“سلبت مني أبي، قتلت أنوثتي، لكنّك لن تستطيع العبث مع عذريتي” ورحلت.
نعم، لقد مات مخنوقاً بالضّفيرة التي لطالما كان يحبها ويسعى وينجذب لمثيلاتها، وهل الجزاء إلّا من جنس العمل؟.