جلس وليد مقرفصا يلهث، أنفاسه المتلاحقة تكاد تمزق صدره النحيل، العرق الغزير يغسل وجهه المحروق بالشمس، الحمل الثقيل يشد يديه القاسيتين رغم صغرهما، وعينيه تراقبان الجبل الشاهق أمامه بتوجس وذعر مكتوم.
يربت نبيل وهو شاب في العشرينات من العمر على كتف الطفل العجوز وليد بقوة وحزم قائلا:
“وليد بطل الخوف هذا وخليك مركز البضاعة الي معك تساوي ملايين أغلى منك ولو أنت مش رجال كن تقلنا من البداية مش توصل لهانا وترجع تخلف.”
لا يصدر وليد أي صوت، يتحرك ببطئ مطأطئ الرأس، متهدل الكتفين باتجاه الجبل.
يصفر نبيل ويقول بصوت ضاحك:
“أيوه خليك رجال من الشجعان باقي هذا الجبل وبعده بنتعدى الحدود ونستلم الزلط ونروح نفتهن”
وأتبع كلماته بغمزة خاصة تعبر حرفيا عن معنى الفهنة في قاموسه.
صعد وليد الجبل خطوة تلو الأخرى، كان الجبل يتحول في ناظريه لهلام، كانت ذكريات غريبة تقفز لمخيلته لقد رأى والده حينما حمله أول مرة بين يديه، لقد سمعه يكبر في أذنيه، ثم سماه وليد وقال لزوجته: أريده دائما بقلب طفل وليد.
ثم قال لها سيصبح وليد رجلا عظيما عبقريا أو رائد فضاء.
عند هذه النقطة تلونت شفتي وليد بابتسامة ساخرة ربما وربما بابتسامة مغبونة.
وسمع أو كأنه سمع نبيل يصرخ:
جنود الحدود
جنود الحدود،
رصاص
رصاص.
لكنه لم يأبه أو كأنه فرح ربما!
تابع وليد المسير واختفى الجبل من جديد ، هذه المره سمع أمه تحكي له حكاية، كل تفاصيل الحكاية تبددت وبقيت ضحكة أمه العذبة وحدها وهي تقول: هيا ياوليد أدر العجلة ولننطلق بالمركبة الفضائية.
أدار وليد وجهه تلقائيا، لم يكن هناك نجوما أو كواكب ،كانت هناك فوهات البنادق في مواجهته، لم يبالي وليد مرة أخرى وتابع صعود الجبل، كان يريد أن يثبت لوالدته أنه قادر على الطيران، كانت البضائع فوق ظهره تتحول لأجنحه، كانت القمة تقترب، وصوت الرصاص تبدده الأغبرة، وابتسم وليد كانت ابتسامته هذه المرة تشبه ابتسامة نهى رفيقته في شوارع الحارة، اللطيفة التي وعدتها أن تلون مركبته الفضائية باللون ذاته المطبوع ببذلة سبيدرمان، الابتسامة الأخيرة قبل القمة حين وصل للقمة ظهر له حطام الصاروخ الذي حطم بيتهم، ثم وجه المسلح الذي اغتصب أرضهم والحطام، ثم قفز من القمة قفز واثقا بأنه سيطير ،هذه اللحظة وحدها استطاع فيها وليد أن يبتسم بصدق، أن يشعر بدوي الرصاصات، أن يسمع أصوات الجنود وهم يصيحون”الله يلعنكم يأبو يمن.”.