نشرات الأخبار غصت بتصريحات الأطباء وأصحاب القرار في الكرة الأرضية جمعاء فالوباء تحول إلى جائحة تهدد بفناء البشرية على ظهر الكوكب الأخضر. وتسابقت معه صفحات منصات التواصل الاجتماعي بكل صغيرة وكبيرة عن هذا الفيروس الذي شل العالم وجعل قادته يقفون على أطراف أصابع أقدامهم في قلق ووجل.
أصبح الكل خبير يفتي بما يجب على الجميع فعله واتباعه لينجوا من المرض وتعود الحياة لطبيعتها بعد انحسار ما سبب الرعب. والمسئولين يؤكدون أن لابد من أخذ المعلومات الصحيحة من مصادرها الموثوقة فقط منعاً للغط والذعر الزائد.
يتناقل البعض صور ومقاطع مرئية لبشر يتساقطون أمام المارة وأجسادهم ترتعش بشكل مخيف فلا يجرؤ أحد على إسعافهم أو حتى الاقتراب منهم خشيت العدوى. وأخرى لزعماء دول عظمى يبكون بانهيار وهم يوجهون كلماتهم لشعوبهم في استسلام مر للواقع. وكذلك لمصلين ومبتهلين لله بالخلاص مما يهددهم. وغيرها لشوارع وطرقات كانت تعج بالمارة فأصبحت خاوية تتجول فيها الحيوانات البرية بحرية تامة واستغراب من اختفاء بنو أدم عن أعينهم بعد فرض حضر التجول الإلزامي وأيضاً الاختياري في الكثير من المدن.
تنذر فنانين برسومات كارتونية لأناس بحديقة حبسوا في أقفاص حديدية تقف خارجها الكواسر وباقي الحيوانات وهي تلتقط لها صور فوتوغرافية وذيلوها بعبارة “حين تنعكس الحالة”.
أما آمنة فقد حرصت على الاستمتاع بكل دقيقة تقضيها في بيتها مع طفليها وأبوهم المتقاعد منذ سنتان فهي تستيقظ فجراً لتؤدي فروض دينها والمستحبات فيه. ثم تباشر قبل تحضير الفطور في تبخير البيت بالشبة والحرمل ليقينها كما توارثت ذلك من أمها وجدتها وقولهن أنه يطرد الحشرات ويقضي على الجراثيم ويطهر الأمكنة منها.
تجلس في انتظار أفراد الأسرة ليتناولوا طعامهم معاً، وهي تتابع على عجل العناوين البارزة لأخر الأخبار المحلية والعالمية. عند الانتهاء من الطعام تحث ابنيها بعد دقائق من استراحتهما القصيرة على ممارسة بعض الحركات والألعاب الرياضية ليحافظا على لياقتهما البدنية قبل فتح صفحات الدروس الالكترونية في شبكة المعلومات عبر هواتفهم وتحرص على متابعتهما معاً في أداء واجباتهما المدرسية وهي تعدهم بالمكافأة المجزية حال تفوقهما.
بعدها فيما الأبناء منهمكين في التحدث مع أصحابهم أو اللعب معهم إلكترونياً عن بعد، وأبوهم غارق في مشاهدة ما يعرضه التلفاز متنقل من قناة لأخرى دون ملل. تأخذ واحد من الكتب المتراكمة في مكتبتها الحائطية وتنشغل به آملة إنجاز أكبر قدر ممكن من القراءة. التي لا تجد لها وقتاً كافياً رغم شغفها الكبير بها. قبل قيامها لتحضير وجبة الغداء.
وكما هي عادتها منذ الصغر مع كل أحبتها ومعارفها. تبث فيهم كل حين، الأمل وتدعوهم لعدم التركيز على أخبار الجائحة وتداعياتها على كل صعيد. لتقوي مناعتهم النفسية التي تزيد من قوة صد أجسامهم لمسببات المرض.
في واحد من صباحات أيام بدء تفشي الفيروس كانت تغسل الأطباق والأكواب مما علق بها وهي تستمع للقرآن الكريم بصوت أحد مشاهير أئمة الحرم المكي فسالت منها دمعة حارة وهي تستذكر صور خلو بيت الله من الطائفين والمصلين في مشهد مبكي لم ترى مثله من قبل. انهارت فتركت ما في يديها وجلست مقرفصة على السيراميك مسندة ظهرها للخزانة التي يعتليها حوض الماء المعدني واضعة كفيها الملطختان بالماء والصابون على رأسها وتساءلت في شيء من القنوط إن كان سينتهي هذا الحال ويعود البيت العتيق معموراً بالمسلمين. وتعج الأماكن بالحياة كما كانت قبل بضعة أيام. أم أنها النهاية التي لا فرار منها ولا مهرب. حتى جاء طفلها الأصغر وتسائل بهلع من بين دموعه إن كانت مصابة بالكورونا وهل عليه الاتصال بالرقم المخصص للتبليغ عن الحالة الصحية أم يخبر أباه ليأخذها لأقرب طبيب. نهضت بسرعة واحتضنته مقبلة ما بين عينيه وهي تقول أن ليس بها شيء مما يخشاه وقد جلست لتستريح فقط من تعب الأعمال المنزلية. مسح دموعه وهو يعود أدراجه خارج المطبخ فأدركت أنها أساس بيتها وعليها التماسك لتجتاز بأسرتها هذا البلاء.