إعداد: سليم النجار- وداد أبوشنب
” مقدِّمة”
مفردة “السؤال” وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الاسرائيلي٠
في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟
وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين.
الدكتور محمد عوض شبير الباحث في القضايا المجتمعية والتعليمية من غزّة-فلسطين يكتب لنا من زاويته “ماذا يحدث غزة”؟
الحياة في غزة قاموس يختصر كل معاني الألم.
د. محمد عوض شبير/غزّة-فلسطين
باحث في القضايا المجتمعية والتعليمية.
1-جغرافية قطاع غزّة
على مساحة بقعة جغرافية صغيرة تقدر بـ(365 كيلو) يرقد قطاع غزه ذلك الشريط الساحلي الممتد على مساحة (45 كيلو) بمواجهة أمواج البحر الأبيض المتوسط غرباً أمّا شرقاً فالاحتلال جاثم على الأرض بحدوده وأسلاكه الشائكة التي تتحطم عليها الآمال بمجرد رؤيتها مع حدود قصيرة مع مصر يتوسطها معبر رفح وهو البوابة الوحيدة لأهل قطاع غزّة للعالم.
إزاء هذا المشهد الجغرافي وعلى تلك الأرض نشبت حرباً مسعورة قادتها إسرائيل نيابةً عن طواغيت وجبابرة هذا العصر الذين يتغنون بحقوق الإنسان وقيم العدالة، هذه الحرب كانت ضد شعب أعزل محاصر وممنوع من أدنى مقومات الحياة، وجاءت هذه الحرب والتي لم نجد لها أدبيات سابقة في قواميس الحروب ويمكن تسميتها بحرب الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي ضد شعب أعزل استخدمت إسرائيل فيها كل أنواع الأسلحة والمعروفة بقوتها التدميرية والتي يُجرُمها القانون الدولي عدا عن انتهاكها لكلّ المحرمات والتي جرمتها الاتفاقيات الدولية والتي وقعت عليها إسرائيل وضربت بها عرض الحائط أمام مسمع ومرأى كلّ المؤسسات الدولية والتي تتعامل بازدواجية وقحة ومُعلنة مع الحالة الفلسطينية.
2-مشهد غزة المأساوي أثناء الهدنة (ضحايا وخسائر)
وعلى الجانب الآخر ومن خلال رصدي لحالة المأساة وهول الصدمة التي تكشفت مع بزوغ شمس الهدنة الإنسانية والتي جاءت برعاية أطراف إقليمية فإن المشهد داخل قطاع غزة كارثي لأبعد الحدود حيث تم تحويل المدارس لمراكز لإيواء النازحين والذين هجروا من الشمال باتجاه الجنوب ويقدروا بـ(80٪) حيث تم قصف بيوتهم، وتدمير مساكنهم، وما يزيد عن (15000 شهيد)، وكذلك (5000) مفقود حتى اللحظة، أما الجرحى فلا رقم يصف أعدادهم الضخمة، حيث يفتقد السكان في قطاع غزة لأدنى مقومات الحياة الآدمية.
فمنذ (55 يوم) انقطع التيار الكهربائي عن كل أرجاء قطاع غزة، وشبكة الاتصالات تم تدميرها وهي بحالة سيئة للغاية في الوقت الحالي، أما شبكة الإنترنت فيعاني الناس معها أشد المعاناة وقد تم قطع الاتصال بالعالم الخارجي لغزة من قبل الاحتلال الإسرائيلي كنوع من العقاب ومنع نقل الانتهاكات الفظيعة التي تدور في الميدان بحقّ الشعب الفلسطيني، أمّا بخصوص المياه فقد تم تدمير شبكات المياه وهي منقطعة عنهم طيلة فترة الحرب ويلجأ السكان لطرق بدائية لتوفير المياه حتى أُضطر بعضهم للذهاب للبحر لغسل ملابسه والاستحمام هناك.
وعلى جانب آخر وبالتحديد المواد الغذائية فَقَدْ فُقِد كُلّ شيء حتى وصل الأمر بالناس أنّهم يقولون لدينا المال لكن السلع غير متوفرة! كما ارتفعت الأسعار بشكل جنوني، وما يدخل قطاع غزّة يُشكِّل نسبة صفرية من احتياجها الطبيعي واليومي، والمواصلات تعطّلت نتيجة لانقطاع السولار ومنع دخوله مما اضطّر السائقين لاستخدام زيت الطهي بدلاً منه، ولجأت الأمهات لإشعال النيران ومواقد الحطب من أجل الطهي والخبز.
يشهد الهواء حالة من التلوّث الشديد نتيجة لانبعاث رائحة زيت الطهي المستخدم في السيارات نتيجة لانقطاع الوقود، علاوة على الروائح الكريهة بسبب تراكم أكوام القمامة في الطرقات العامة وداخل أزقة الشوارع نتيجة لعجز البلديات عن إزالة تلك المخلفات بسبب نقص الوقود للآليات النّاقلة للقمامة، علاوة على إغلاق الطرقات بسبب وجود الركام في وسط الشوارع وعدم توفُّر آليات متخصصة لإزالة ذلك الركام.
أما بخصوص المستشفيات فالوضع خارج الوصف فعدّد الإصابات داخل الغرف يفوق الطاقة الاستيعابية بأضعاف لا يتخيّلها عقل، وينام المصابون على الأرض وفي ممرّات الأقسام الداخلية بالمستشفيات، وبخصوص الأدوية والمستلزمات الطبيّة فهناك نقص تام في الأدوية والاحتياجات الطبية الأخرى، وأمّا الأطفال والنّساء والمرضى والذين يحتاجون إلى رعاية طبية أولية دائمة فقد أصبحوا خارج اهتمام المنظومة الصحية نظراً للتعامل بمبدأ الأولويات مع ضخامة حجم عدد الشهداء والجرحى وكذلك العمل بمبدأ المفاضلة بين الجرحى.
وفيما يتعلق بمراكز الإيواء فتفتقد لأدنى الظروف الصحية الملائمة حيث انتشرت فيها الأمراض والأوبئة، وزادت حالات الإسهال بين الأطفال والنساء نتيجة لافتقاد تلك المراكز للشروط الصحية الملائمة.
وعلى الجانب النفسي يسود الشارع الغزاوي حالة من الخوف الشديد، والهلع الكبير من هول الصدمة التي تعرضوا لها ومشاهدة الدمار والقتل، والتشريد والنزوح وظهر ذلك على الأطفال في شكل أعراض شديدة الخطورة ناتجة عن الصدمة النفسية الكبيرة وتمثل ذلك أيضاً في مشكلات سلوكية متعددة لدى الأطفال.
واستمراراً لفصول المعاناة فإنّ المخزون المحلي للمواد الغذائية من الأطعمة، والخضار والدواجن والمواشي فقد نفذ خلال هذه الحرب وبالتالي أصبح الوضع كارثيا بصورة أكبر نتيجة للاعتماد الكلي على الخارج في هذا الوقت، أي من خلال المساعدات فقط، نتيجة لإغلاق المعابر التجارية مع القطاع والتي تتحكم فيها إسرائيل.
وباختصار شديد عبر هذه القراءة للمشهد على الأرض فإنّ ملامح الحياة في غزّة قاتمة وسوداوية وكارثية، وباتت حالة الشّكّ والتوهان مسيطرة على عقلية الفلسطيني المقيم داخل غزة فلا شيء يُصدق وكل شيء مُحتمل الوقوع لا يعرف المواطن الغزاوي أين تتجه أشرعة سُفنه لكنه ما زال يؤمن بأنّ صراخه وبكاءه يزعجان محتله ويوقظان ضمير العالم، و لعل صرخة طفل واحد توقظ ضمير الإنسانية لتقول لها بأن هناك شعبا يطمح في الحرية ويسعى لأن يكون ضمن منظومة هذا العالم وليس استثناء لأنّه يملك الأمل في الانعتاق من الاحتلال ونيل حريته والعيش بكرامة..