ماذا يحدث في غزّة؟

إعداد: سليم النجار- وداد أبوشنب
” مقدِّمة”
مفردة “السؤال” وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الاسرائيلي٠
في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟
وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠
الدكتورة هند أبو الشعر من الأردن تكتب لنا من زوايتها “ماذا يحدث غزة”؟

غزّة اليوم.. عصر جديد
د. هند أبو الشعر

1- طوفان الأقصى بوصلة الحدث العالمي:
ربّما ابتدأ عصر جديد، هذا ما يمكننا رؤيته حتى اليوم منذ مطلع شهر أكتوبر 2023م، وهي رؤية من يدرس التاريخ ويتفحص دلالات الأحداث، وأريد ابتداء أن أقول بأن ما يحدث في غزة الآن، لا ينفصل عن القضية الفلسطينية كلها، بل يكملها ويزيد في أحداثها، ولكن يحدث فيها التغيير المدهش، ولا يجوز لنا أن نفصله عن مجمل القضية، منذ أن بدأت الحركة الصهيونية وحتى اليوم، وما يحدث صرف البوصلة الإعلامية في العالم كلّه عن الأحداث الإقليمية والعالمية، فلم تعُد انقلابات مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وإخراج القوات الفرنسية هي بوصلة الإعلام العالمي، ولم تعد أحداث القتال في السودان هي بوصلتنا العربية، أو حتى نتائج الفيضانات في ليبيا أو الزلزال المدمر في المغرب.. أعادت أحداث غزة القضية الفلسطينية إلى ضمير العالم كله بقوة، هذا أولا، وثانيا هزمت صناعة الإعلام المفبركة والتي اعتادها الغرب، والتي تجعل من إسرائيل الضحية، وتلصق تهمة الإرهاب بالشعب المقاوم، والمطالب بحقه، والمتمسك بأرضه، وهذا مكسب ضروري لتصل الحقيقة لضمائر الشعوب ،وتكشف بشاعة انتهاكات حقوق الإنسان بأقسى صورها، أمام التهجير القسري للشعب الفلسطيني، وقتل أطفال غزة، وعائلاتها، بدم بارد، وبقصدية مدروسة، ضمن سياسة الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل بقسوة غير مسبوقة، تحت سمع العالم وبصره، هناك تغيير إعلامي، ورؤية جديدة يشهدها العالم، وهو ما نلاحظه من خلال متابعة ما يرشح من أدوات الإعلام الدولية.

2- غزة تحت الحصار:
ما يحدث في غزة ليس جديدا على أهل غزة الذين صمدوا في أراضي القطاع على مّر تاريخهم، واعتادوا الاعتداءات، والقتل الجماعي، ولكن الجديد أن يبادروا هم بالدفاع عن أنفسهم، وأن تصل صواريخهم إلى العمق في الأراضي المحتلّة، وهذا متغيّر جديد أذهل العالم كلّه، وشلّ صواب الرأي العام الإسرائيلي، ولا ننسى أن إسرائيل التي أحاطت القطاع بأسوارها المتطوّرة، والمحمية بتكنولوجيا لا تقهر، فوجئت بانهيار منظومتها بلا سابق إنذار.. وللمرة الثانية، انهزمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وكانت المرّة الأولى على أرض الكرامة في المعركة الخالدة عام 1968 م، وأنا شخصيا أعتقد أن أكثر النتائج أهمية هي زرع الخوف في الغلاف المحيط بالقطاع من المستوطنات المزروعة بمستوطنين من كل أنحاء العالم، اختطفوا وأصبحوا رهائن مثلهم في ذلك مثل العناصر العسكرية التي تزعزعت الثقة بهيبتها أمام الشعب الإسرائيلي، ولم يعد الأمان يسكن مع المستوطنين، وهذه من أكثر النتائج أهمية في صراعنا مع دولة الاحتلال والاستيطان المبرمج والذي ينهش قلوبنا منذ عقود وعقود.. ما يحدث في غزة لم ينجل بعد، صحيح أن خسائر الأهالي في النفوس مؤسفة، وفي الممتلكات كبيرة جدا، ولكن استعدنا الحلم والأمل وزاد التشبث بالأرض، لأنّنا نتحدّث عن وجود ومصير جماعي، صحيح أنني تبكيني أشلاء الأطفال، ومخاوفهم، وجوعهم، وتشردهم، وملاحقة الطائرات المجنونة لهم مع أهاليهم، ولن أنسى حتّى آخر العمر، منظر قطة الطفل الفلسطيني الشهيد، الراقد في حضن والده، والتي جاءت ونامت في حضن الطفل الشهيد، تودِّعه، وكأنّها تحاول أن تذهب معه إلى السماء…!! لكنّني أقول بثقة من يدرس التاريخ ويكتبه، ما يحدث في غزة عصر جديد، يدين العالمَ، ويؤكد أن العدالة لا تعيش في هذا العصر، ونحن نعرف أنّ غزة ستصنع من الرّكام عالم الغد.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!