آفاق حرة
التقاطها وحاورها الروائي صديق الحلو
المنهج البنائي أفضل طريقة لتطوير النزعة النقدية لدارسي الأدب.
سؤال الذات والصراعات الداخلية والهوية. الحروب والفقر. اهم المواضيع التي كتب عنها كتاب القصة القصيرّة في السودان.
أستاذة الآداب لغة فرنسية جامعة الخرطوم. نالت الدبلوم العالي في تدريس اللغة الإنجليزية
ودورات في الترجمة انجليزي. فرنسي.
الناقدة المعروفة في مجال الأدب وشاركت في العديد من الدورات التحكيمية القصص والروايات في مسابقات جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي..
تحدثت فيه عن الثقافة وعناصرها. والنزعة النقدية لدى الطلاب. الترجمة الفورية وطرائق التدريس. التقنيات والمضامين في كتابة الروايات. التحليل الأدبي وتوظيف التراث َ. وعدة مواضيع ثقافية هامة ومؤثره.
وكان هذا الحوار الغير مسبوق
** كيفية الإستفادة من الوسائط في العمل الادبي؟
تساعد الوسائط في تسهيل عملية النشر الذي يمثل عائقاً حقيقياً للكاتب والتواصل مع الآخر. ولكن قد يسبب هذا مشكلة في قراءة المنتوج الإلكتروني، خصوصاً الناقد، لعدم توفر جهاز أو غيره. كما نتج عن استخدام الوسائط الرواية التفاعلية . وما يقال عنها أنها دعوة للإنفلات من القوالب المعروفة للكتابة باعتبارها قريبة من روح العصر باستثمار تقنيات ثورة التكنولوجيا. ولكنها تجارب تحتاج لمزيد من الدراسة. وقد قرأت قريباَ كتاباً للناقد سعيد يقطين بعنوان (من النص إلى النص المترابط : مدخل ألى جماليات الإبداع التفاعلي) يتحدث فيه عن دخول الدراسات الأدبية مرحلة جديدة تتولد فيها مصطلحات ومفاهيم جديدة تتصل بالنص المترابط والتفاعلية والواقع الإفتراضي ولكننا لا نزال بمنأى عنها وعن خلفياتها.
** كيف يمكن تطوير النزعة النقدية لدى دارسي الأدب؟
يمكن ذلك ليس فقط عن طريق المطالعة والقراءة وطرح الأسئلة التي تثير العصف الذهني كما هو شائع. ولكن في كل المواد ومنذ مرحلة الأساس. وأحسن طريقة لتحقيق ذلك هي المنهج البنائي الإجتماعي والذي يتم العمل فيه في مجموعات يتعاون فيها التلاميذ على حل المشكلات بالعمل الجماعي.للوصول للنتائج التي يتدرج التلاميذ في إيجادها عن طريق التفكير والمقارنة والتحليل… وبالتالي تتطور وتتعزز لديه النزعة النقدية والقدرة على التعبير عن نفسه وعندما يصل للجامعة يكون مشروع باحث وناقد قادر على التفاعل مع النصوص وتبيين مألاتها وذلك بفهم الخطابات ومضامينها وإعطاء وجهة نظره فيها. وعليه تكون له رؤيته الخاصة بدلاً من ترديد نفس مقولات الكتّاب. ومما يساعد ويدعم كل هذه المهارات هو دراسة النظريات النقدية المعينة ومقاربة النصوص المختلفة، بمعنى التركيز في تدربس الأدب على مقاربة الأعمال الإبداعية فإذا كتب أحد الكتاب موضوعاً محدداً يجب دراسته مع كتاب أخرين تناولوا نفس الموضوع في محيطه وفي بلاد أخرى. إن هذا النوع من الدراسات هو الذي يمكن من معرفة وفهم كيفية تشكل وتكوُّن المركزيات الكبرى. إذا كانت فلسفية، آيديولوجية، إعلامية وغيرها. وهكذا تتشكل الرؤى لفهم العالم والذات.
** أعطينا نبذة قصيرة عن المنهج التواصلي؟
هو من بين المناهج التعليمية الحديثة المتبعة في تطوير المهارات اللغوية للطلاب، أي أنّه يستخدم في تدريس اللغات الاجنبية وقد ظهر في سبعينيات القرن الماضي كرد فعل طبيعي ، بسبب المراجعات وإعادة النظر بهدف التجديد والمواكبة، ازاء المناهج الاخرى التي ظهرت قبله , كأسلوب الترجمة الحرفية و الاسلوب المباشر وغيرها التي اثبتت عدم كفاءة في تعلم اللغات.
ومن اهم ما يميز هذا المنهج هو اعتبار اللغة وسيلة للاتصال والتواصل .وبما ان التواصل يتضمن مجموعة من المهام مثال التسوق، البحث عن معلومات، والتعبير عن الاعتذار وعما نحب ونكره، لذلك فهو يركز على ممارسة هذه المهام في أوضاع حقيقية والتدريب عليها حتى يمتلك الطلاب المهارة. أمر مهم جداً هو إعطاء الطلاب المفردات المحددة والمناسبة لكل حالة والتي تساعدهم على التواصل بصورة صحيحة وفاعلة داخل قاعات الدراسة وبالتالي خارجها. لا يركز المنهج على مهارات الفهم والسمع ولكن القراءة والكتابة أيضاً. كما أنه لا يحاسب الطالب ولا يعاقبه في حالة الخطأ، لأن
** ما هي التقنيات والمضامين في رواية جمجمتان تطفئان الشمس لمنجد باخوس؟
رواية “جمجمتان تطفئان الشمس” تتناول هموم وآلام الكائن البشري وانكسارات أحلامه وتطلعاته عبر واقع حياة كل شخوص الرواية التي تنتهي مأزومة ومتشظية بلا أملً أو رجاء. ولتحقيق أهدافه سلك الكاتب سرداً دائرياً لعرض الأحداث والتي اختار لها تقتية اللفافات (البخرة) من الموروث الشعبي. فصاحب اللفافات هو السارد الأساسي الذي يمسك بخيوط تفاصيلها.
ويتعاون معه بقية الشخوص ما بين رواة مساعدين وثانويين بصورة متصلة أو متقطعة حتى يكتمل المتن الحكائي. وهناك تقنية أخرى تتمثل في المقاطع الإستهلالية وهي عبارة عن مقاطع شعرية وفلسفية تتوزع على معظم فصول الرواية. وجاء هذا التوزيع بعناية فائقة تخدم المقاصد المستهدفة حيث نلاحظ أنها تتصدر الفصول التي تتحدث فيها الشخصية الرئيسة والتي في أصلها شخصية خفية غامضة (صاحب اللفافات)، وهو ميت في حقيقته ويرسل خطاباته عبر هذه اللفافات التي تتميز بأنها تحترق أوتباد فور قراءتها. وهكذا تدور أحداث الرواية في مسارين أحدهما رأسي ويمثله محتوى اللفافات والآخر أفقى وتمثله أحداث الشخوص ويتقاطع المساران مجسدان محمولات منجد باخوس ومضامينه المستهدفة حول حيرة الإنسان وضياعه ما بين أحلامه وتطلعاته وواقعه المزري المعاش.
**كيف هو التجنيس الادبي بين تصنيف الناقد وتمرد المبدع؟
هذا هو عنوان ورقة علمية قدمتها للقول بأن تقسيم الفنون إلى أنواع من قِبل النقاد ما عاد مجدً بسبب تداخل هذه الفنون وإنها فعل لغة إذا كانت نصاً أدبياً أو حركة مسرحية أو مقطعاً موسيقياً.
** ما دلالة استخدام أدوات الترقيم في النصوص الأدبية؟
لأدوات الترقيم استخدام حجاحي بعيداً عن وظيفتها التقليدية المعروفة من ضبط وتنظيم النصوص. فمثلاً نقاط الحذف تجبر القاريء على الدخول في حوارية مع النص ليتخيل المآلات بعدها. أما الإستفهام التقريري فهو لا يبحث عن اجابات ولكن يمرر مواقفه ووجهات نظره . والأقواس في غالب الأحيان تعبير عن أصوات ووجهات نظر مختلفة أو مساندة للراوي وهكذا.
** هل يكشف التحليل الأدبي رؤية المبدع ويضيف اليها؟
بالتأكيد. لأن تناول المنجزات الإبداعية بالدراسة والتحليل يكشف رؤى الكاتب ومضامينه وتوجهاته الفكرية والفلسفية والحياتية وبالتالي يرفد الحركة الإبداعية والعقلية معاً بمجموعة من التيارات والرؤى التي يثريها ويتفاعل معها سواء أكان هذا بتناول هذه الأعمال أم بطرح تصورات نظرية تساعد الكتّاب أو الكتاّب المحتملين على فهم أعمق وأشمل لماهية الأدب ودوره وضوابطه وهذا الخطاب النقدي يجدّد شباب الحياة الثقافية ويطوّر عقل وإحساس الناس والمجتمع عموماً.
** التراث السوداني وتوظيفه عند الروائية زينب بليل؟
ما يميز المنجز الإبداعي للكاتبة زينب بليل هو توظيفها للموروث الشعبي، وهو يعكس موهبتها المبدعة ووعيها ومعايشتها وتاريخها الشخصي ورؤيتها، وراء إرادتها لهكذا توظيف وتحديد تعاملها معه, قريبا كان, أم بعيدا, وصولا الى السرديات المميزة التي أنتجتها، والتي ستكون بدورها, هي أيضا, منبعا ومصدرا من بين مصادر أخرى, لتجارب قادمة تزخر بمضامین ثریة ومتنوعة، لأنه مزیج من الثقافات التي أنتجتها جذوره وأصوله الافريقية والعربية. فهو يمثل موروث شعبي حافل بالمعاني والدلالات التي تتضمن أبعاد انسانیة تعین على الإطلاع على الفكر الجمعي. ولأهمية هذا التوظيف قمنا بدراسته في كتاب مخصص له سيرى النور قريباً بغذن الله.
** ماذا تقولين عن ماركيز وتقنيات السرد؟
يتميز الكاتب ماركيز بتنوع التقنيات. فإذا تحدثنا عن اللغة فتلاحظ أنّ للغة نصوصه سحرها الخاص بسبب الأسطورة والحكايا الشعبية التي كانت جدته تحكيها له وكذلك قراءته للشعراء اللاتينيين والإسبان وغيرهم ودورها في إثراء مخيلته ومفرداته فقد ظلّ مصراً على بناء جملة ذات نفسٍ شعري لا يخيب . كما إن معرفته لعدد من اللغات كان له أثره البالغ في لغته وأسلوبه السردي.
تفيد لغته المجازية والاستعارات البلاغية في تمثيل الاشخاص العاديون كأبطال ملاحم ويصيغهم برواية أسطورية ويدلل على ذلك ( ماكندو) وأبطالها في ( مائة عام من العزلة ) والتي لم تكن مكاناً جغرافياً ولكنها عالم ذهني يتخيله القارئ كما يحب . ويدلل ماركيز على قيمة اللغة الاسطورية التي يتعرف فيها البشر على أنفسهم وأهوائهم وتأسر القارئ وتنقله الي عالم مختلف.
يضاف إلى ذلك أثر الصحافة في كتابته الأدبية فهو يقول أن أثرها لم يكن سلبياً تقريرياً. وإنما هي تعبير عن صحافةٍ غايتها الخدمة العامة المباشرة في إشارة أخرى إلي أن الصحافة لا تخدم أغراض خاصة بعينها وإنما تخدم كل الأغراض ويتجلى ذلك واضحاً في إستخدامه لأسلوب التحقيقات الصحفية في تتبع الأحداث وتبيانها كما يستخدمها في الوصف السردي الذي يتخلل معظم أعماله.
لا يشك أحد في قدرات الروائي ماركيز الكتابية وعلى رأس هذه القدرات الخيال الجموح المنفلت حتى الى ما وراءالمعقول بترفيعه العادي إلى مصاف المدهش والمذهل والغوص عميقاً في التفاصيل بصبرٍ لا مثيل له . والشاهد على ذلك البنائية الدائرية التي استخدمها في رواية (مائة عام من العزلة).
الزمن كتقنية عند ماركيز يرتبط إرتباطاً وثيقاً بالحديث عن العنونة. تعتبر أعمال ماركيز في مجملها أنها تشتمل على عناوين مكوّنة مثال لذلك : (مائة عام من العزلة) ، ( الحب في زمن الكوليرا) ، (خريف البطريرك) و(قصة موت معلن) ، (ذاكرة غانياتي الحزينات) ، (خبر اختطاف )، ( ساعة نحس ) … الخ. نلاحظ أن هذه العناوين تحمل مفهوم الزمن كتقنية تنبني عليها النصوص وتقوم مقام القالب الجمالي للسرد وأيضاً كمفهوم مضموني .
ونموذج لإستخدام الزمن كتقنية هو (خبر اختطاف) والتي استخدم فيها الزمن لبناء الحدث الذي هو الاختطاف وفق سرد الشخوص لحدث واحد من عدة زوايا زمانية مختلفة تفضي الي الزمن الكلي للسرد، الذي يحدد مسارات الحبكة الروائية ويقف عند ذروتها .
وأخيراً يمكنني ذكر التعددية الصوتية في السرد الأدبي الماركيزي فهي تستخدم بشكل مختلف وذلك بسبب تنوع مصادرها : الأسطورة .. الخيال ،الحكاية الشعبية ، وغيرها وذلك لأن ماركيز ساهم في خلق أدب وطني مجتمعي يبحث ويدقق في مفاهيم الانسانية ومضامينها فعلى خلفية هذه الذاكرة الجمعية والتي تسم المجتمع اللاتيني يعتبر التعدد الصوتي خصيصة أساسية في أدب ماركيز .
** إستخدام التاريخ عند الكاتب جمال محمد إبراهيم؟
هو استخدام تجاوز أهداف التوثيق للأحداث التاريخية إلى الإستخدام الفني الجمالي الذي استلهم من خلاله مرحلة معينة من التاريخ، وهي فترة ثورة 1924 وكذلك شخصية البطل عبد الفضيل الماظ. والهدف من هذا الإستخدام كان إستدعاء عدد من مستويات الوعي، كالوعي التاريخي والقومي والسياسي والإجتماعي وغيرها، وتعميق بعض المفاهيم الانسانية مثل المحبة والتسامح والمساواة والاحترام…
** ما هي أهم القضايا التي تناقشها القصة القصيرة؟
المتتبع لمضامين القصة القصيرة فى السودان يستطيع ان يقول بأنّ سؤال الذات والصراعات الداخلية والهوية وتصوير المعاناة التى أحاطت بالشخصية السودانية من ويلات الحروب والقهر والفقر والتهميش والهجرة وغيرها كانت من أهم المواضيع التي كتب عنها كتّاب القصة القصيرة.
** كلمة أخيرة عن الناقد الأكاديمي وأفق الخطاب النقدي؟
إن التلقي الرفيع المستوى يتطلب من المتلقي- الناقد الأكاديمي – قدرة عالية على تجاوز النمطية والتنميط وذلك بالتفاعل مع طموح المبدع إلى التجديد.
إن هذا الدور ضروري جداً نظرياً وعملياً من أجل صياغة طرق ووسائل لزيادة فعالية العمل الإبداعي للقارئ والكاتب معاً. فمن خلال تلقيه للنص الإبداعي، على الناقد- الأكاديمي – أن يعتمد منهجاً بعينه في إنجاز عمله وعليه يتوقع أن يقدّم، بإعتباره قارئ منتج، خطاب يوضح طبيعة فهمه وإستجابته للنص المنقود بصورة نقدية لها منطلقاتها الفكرية والنظرية وشروطها المعرفية التي قد تكون ضمنية أو صريحة. كما هو الحال في نقد البروفيسور عبد الله الطيب.
فالخطاب النقدي ذو طبيعة معرفية في جوهره ويؤسس على مرتكزات فلسفية وهو بذلك علم له ضوابطه وليس عملاً ثانوياً . إن هذه المسئولية تقع بالتأكيد أولاً على عاتق الناقد الأكاديمي الذي يتطلب دوره وعيه بنقد الذات من خلال تمحيص أدواته بصورة مستمرة وإرهاق قدراته كمجال نوعي متخصص وذلك بفحص مسلماته كل فترة، والإطلاّع على ما يدور في هذا الحقل المعرفي في مختلف الثقافات الإنسانية والإهتمام المستمر بها يسمى بــ ” نقد النقد ” وإلا أنسد الأفق أمام الخطاب النقدي. وهذا يتطلب من الناقد الأكاديمي أن يضع نظريته الخاصة به والتي ينتجها ويطورها من خلال المقاربات بين فكره وفكر النظريات الوافدة إليه وأيضاً في ضوء تطور النصوص الإبداعية التي يطلع عليها بإستمرار. وهكذا يعمل الناقد الأكاديمي على تطوير النقاد الآخرين بالإضافة لتوسيع رؤاهم و رؤى طلابه نقاد المستقبل وكذلك القارئ العادي.