أروحلك فدوه/ بقلم:حيدر غراس (العراق)

أنا لا أكتبُ لأمشي،
مرّاتٍ أطيرُ.

هل تعلمين؟
حين كنتُ أكتبُ إليكِ
دارت دورةُ الفصولِ الأربعُ
في ساعةٍ إلا سبعَ دقائق.

حفيدي أُحيلَ على التقاعد،
غزاهُ الشَّيبُ بشكلٍ مُفرِطٍ،
وأصبحَ يُكنّى بأبي شيبة.

جارتي العاقر صار لها أبناءٌ
أخذوا بها إلى دار العجزَة،
ونخلةُ الجيرانِ طرحتْ ثمرَها
مرتين في سنةٍ واحدة.

أروحلك فدوه.
يا ويلي…
لا، يا ويلتي…
وبنغمةٍ مشدَّدة:

إذاً تروحين،
على الأصحِّ ترحين، لذا:
وأنتِ ترحين، لا تنسَي أن تأخذيني معكِ.
وعداً لن أتفوَّه بحرفٍ
كلّما طلبتني عيناكِ لأنامَ
في بيتِها السِّحريّ.

هل أخبرُكِ
أنَّ روحي تسكنُ غُرُفاً سفليَّةً
تقبعُ في بؤبؤيكِ السوداوين
منذ ألفٍ ونيّفٍ،
وعلى ذِمَّةِ رجلٍ يُجيدُ المكوثَ
كأصابعَ في راحةِ اليدِ؟

لا تَنسينَها هناك
كلَّما هَمَمتُ بتدليكِ قدميكِ الحافيتين،
فوقعُ خطاكِ أشدُّ وقعاً عليها
من وقعِ الليالي الباردة
في ليالي المطر.

وأنتِ تستعيدين اللحظاتِ الماضية
خذي شيئاً من صابونِ الحاضرِ
ادعكيهِ بجِلدِ الماضي
لعلَّها تُهدينا شيئاً من فُقاعاتِ العمرِ الرائبةِ
أو أرواحاً معلَّقةً هناك
تستجدي المكوثَ في باحةِ قصيدةٍ
لشاعرةٍ نزقة.

لا أنكرُ كم كنتُ أقرأ لكِ
شيئاً يشبهُ الشِّعرَ
وأدَّعي أنَّها لحظاتي الشِّعرية،
بالذَّات في أوقاتِ تناولكِ قطعِ الكنافةِ
المغموسةِ بالجَّوزِ والشِّعرية.

آه يا روحي.
ودون توقُّفٍ لقطارِ العمرِ البطيءِ
حين يسيرُ على سككٍ مدبَّبةٍ
تعرجُ به لقرىً
تسكنُ أطفالَهم نزعةُ الرٍَمي بشراهةٍ مفرطة،
هكذا ترميني الأقدارُ في محطاتِ الرُّوحِ
محاولةً مسكِ الأرضَ بأكفٍّ ضارعةٍ.

أروح.. لك… فدوه.
أذهبُ فداءً لكِ بلغةِ الُّلغويين، أليس كذلك؟

حقيقةً لا أفقهُ هذه اللغةَ المعقَّمةَ المبسترةَ
مُنتهيةَ الصلاحية.
فحين طُلبَ منا الذهابُ للجبهاتِ
رُحنا وبعمرٍ أقلُّ من عمرِ الورد،
وحين قالوا: الوطنُ أغلى من العمرِ
رُحنا فداءً لذلك.
ما الضيرُ إذاً أن نروحَ فدوةً للحبِّ
دون إذن مسبق؟

وردَ في درسِ قراءتنا الأوَّلِ
أنَّ الرُّوحَ من علمِ ربي؛
إجابةٌ قاطعةٌ لكلِ ألسنةِ المتشدِّقين.
ولعلمي أنَّ الرواحَ هنا
غير تلك الروحِ التي لا يعلمُ خباياها إلا بأريئَها،
لذا لنروحَ معاً،
وأؤكد: معاً (فدوه) لكل ما فاتَ
وعوضاً – بأثر رجعي – للبوتقةِ الأولى.

المساكين من أمثالِنا
لا يملكون إلا وجيبَ قلوبِهم،
عرقَ أكتافِهم السمراء،
تكسّراتِ أظافرِهم
من هرشِ بَطاناتِ جيوبِهم الفارغة.

يقوون على كلِّ شيءٍ
إلا أن تدعوهم امرأةٌ لكتابةِ قصيدةٍ.

لا أنكرُ… كنتُ أحيا الكثيرَ من الهشاشةِ
حين كتبتُ إليكِ في المرَّتين السابقتين
وفي نصين متباعدين زمنياً:

حين قلتِ لي (يا ضي عيني)
أضاءَ كلُّ عتمٍ حولي،
وحين رددْتُ (تسلمين لي)
سلمتُ من كلِّ شيءٍ
إلا من وقعِكِ.

فيا ترى ماذا سيحدثُ
وأنتِ تهمسين: (أروحلك فدوه)؟

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!