الآنَ وقد فقدتُ كُلَّ شئ
أُدركُ مغزى الأُغنيةِ الصَّامِتة
الحُزنُ الصامتُ
والضَّحكةُ المكتومة
وقليلاً قليلاً
أصبحتُ أفهمُ الدمعةَ المذبُوحةَ في رئتتَي
وأنا أجلسُ في المقهى خالياً ومُمتلئاً بالفوضى
أستطيعُ أن أُحسَّ بالزَّمنِ الثَّقِيلِ وهو يجري في دمِي
لا شئ يُوجعُ ظهرٍ الغيابِ سوى كتابي
وعشرةَ جنيهاتٍ للسَّفر
رحلةٌ واحِدة
ذهابِ نهائيٌّ بلا رَجعَة
حينَ لا تملكُ تكاليفَ العودةِ
لاينشقُّ رأسُكَ عن آلامِ التفكيرِ بالرحلة
فقط إحمِل كتابَكَ وغادِرِ المقهى
قد تعُودُ إلى المدينة
وقد لا تعود
فلا شئ يُهمُّ في هذه الثانيةِ سوى الكتاب
الكتابُ الذي لا يُسائلُكَ عن مُستحقّاتِ الكلِمَة
أو ضريبةِ التفكيرِ المُغايِر
الموتى وهُم يحملُون جُثّةَ البلادِ النتِنة
عبرُوا مٍسرعينَ أمامِي
أزكَمَتِ الجُثّةُ الجميعَ فأغلقُوا أنُوفهُم
وفعلُوا “الصَّمتَ”
وهُوَ فِعلُ الدهشة
قتلُوا البلادَ وسارُوا في جنازتِهَا
أمَّا أنا
فلستُ أُدركُ المعنى من القَتْل
ولذلكَ لم أقتُل
حملتُ بُندُقِيَّتِي ووقفتُ مع الجنُودِ في الصف
ولَم أُفكّر في القتل
كُنتُ أشجعَ من أن أُطلقَ الزناد
وكان خاطرِي أجبنَ من أن يحمِلَ عبأ الطَّلقة
حينَ عادَ الجنُودُ مُنتصرينَ من المعركة
عُدتُ أنا وبعتُ بُندُقِيتي لأقربَ جُندٍي يحترفُ تعاليمَ عزرائيل
علَّمتُ البُندُقيةَ الصَّمتَ ، لتصمُتَ للأبد
ولن يُلاحظَ الشخصُ الغريب الفرق
فالصمتُ حديثُ الموتى
كما هُوَ لُغةُ الجسدِ في فعلِ الكتابة
أمَّا الشعرُ فهوَ موسيقى
موسيقًى مُحايدة
والآنَ بعدَ أن أدركتُ ألّا شئ يحملُ معنًى
فأنا ميت
ولكِن انظُر ، حتى في الموت
تجدُ التماثيلَ واقِفة
أبداً لا يُوجدُ موتًى مُمدّدُون في المنحوتات
فالصّمتُ كذلكَ فعلُ وُقُوف
وُقُوفٌ على جنازةِ الحياةِ التي عبَرَتِ اللَّحظة