الرصيفُ
أوّل من صافح ظِلّي
حين طردتني الأبواب.
مدّ إسفلته
ففرشتُ عليه خيباتي
كوشاحٍ مبلّلٍ بالدموع.
كلّ حجرٍ فيه
يحفظ بصمة أنفاسي،
وكلّ شقٍ
يتنهّد باسمٍ
لم أعد أتذكّره.
منه ابتدأتُ
أكتب اسمي على الأرض،
وأعيد ترتيب جسدي
من فتات الأيام.
الرصيفُ
مصلوبٌ بأقدام العابرين،
يشهق الغبارَ،
ويبتلع الحنين
كأنّه قُبلةٌ مؤجلة
في فم الوطن.
في حضنه
ضحكاتنا أفاقت
من أسرّة التشرد
تبحث عن صباح
أغتالته الرصاص
تآخينا على فتات الحياة،
وتقاسمنا لذّة الجوع
وأناشيدَ البرد،
فانتصرنا على الحياة
بضحكاتٍ
تتسرّب من قلوبٍ مكسورة.
هناك،
كنا نكتب أسماء الفاتنات
على راحة الإسفلت،
ثم نغازلهن كما يغازل الضوءُ
نافذةً لم تخنه بعد.
نقنعهن أن الحب
يسكن الجيوب المثقوبة
وينتظر الشمس
على طرف الرصيف
الرصيف:
معبدُ الساقطين من مقاعد التعليم،
مسارح بلا كواليس،
مدارس بلا جدران،
وخطبة جمعةٍ مجنونة
تُلقيها الحياةُ
على مسامع الجوعى.
كلّما ضاق الوطن،
فتح ذراعيه كأبٍ حنون،
يحملنا من هزائمنا
إلى حفنة أغنيات
نجفّف بها دموع الصبر
حين تفيض من أجفاننا.
لكنّا هجرناه
حين هبّت رياح الحرب،
تركنا ذاكرتنا على حافته،
وركضنا إلى البيوت
نبحث عن سقفٍ
لا يتسرّب منه الموت.
تآكلت منا الضحكات،
وتبخّرت السخرية،
فلم يبقَ إلا وجعٌ
يكتب اسمه بالرعب
على جدران القلب.
صرنا عقلاء بما فيه الكفاية
فانهزمت أحلامنا،
وضعفاء بما فيه الكفاية
فانكسرت مرايا الوطن.
كلما اختنقت المدنُ في صدورنا،
هرولنا إلى الرصيف،
نتحسس ذاكرتنا المفقودة،
نرتمي عند قدميه
كغرباءَ
يعرفهم الرصيف،
وتنكرهم البلاد.