رباعياتٌ بعيدةٌ عن الخيّام/ بقلم: حيدر غراس( العراق )

١

أعلمُ أنّكِ لا تقرأين النصوصَ،
فأنتِ بعيدةٌ عن ترَّهاتِ مِلفاتِ الورق،
مشغولةٌ بلفِّ أوراقِ العنَب،
منشغلةٌ بتقشيرِ البصل.

لا تُشغلين رأسَكِ بأعمدةِ الصحفِ البائتة،
طزاجةُ الخضرواتِ في بسطةِ الشارع
تأخذُ “المونشيت” الأوّل في كلِّ الصباحات.

بعيدةٌ كلَّ البعدِ عن الشعرِ العموديِّ والتفعيلة،
فشَعرُكِ الحرُّ خارجَ نطاقِ الوزن،
وأفعالُ المنظفاتِ بآصابعِكِ
كفيلةٌ بالخبرِ اليقين.

ما لكِ وقصائِدَ الحداثةِ والهايكو؟
وماكينةُ الخياطةِ وإبرُها
تستحلُّ القائمةَ الطويلةَ
أمام قائمةِ العوزِ الكبيرة.

أعمالُ مطبخِكِ العظيمةُ
تصدَّرتِ المشهدَ، وباعترافِ كلِّ الجارات،
فللملاعقِ ترِندُها الأوّلُ في أقداحِ الشاي،
تصدرُ بأوقاتٍ ثلاثة.

لا شأنَ لكِ بدورِ النشرِ من قريبٍ أو بعيد،
فحبلُ الغسيلِ كفيلٌ بنشرِ بياضِ نواياكِ
وسوادِ الأيام.

القُبلُ الصغيرةُ التي تطبعينها على خدودِ الصغار
كفيلةٌ بأن تتركَ للمطابعِ
تدويرَ مكائنِها.

وأوراقُ الجرائدِ القديمةُ
تصلحُ في كلِّ مرّةٍ
أغلفةً لكتبِ الأولادِ المدرسية،
بعيداً عن تصاميمَ أغلفةِ “الفولو سكاب”.

لا تعودين للفراشِ خاليةَ الوفاض؛
في يدكِ اليُمنى جدولُ الدروس،
وفي الأخرى علبُ الدواء:
مراهمٌ للفقرات.

٢

حين لا تقوى على تقليمِ أظافرَ القصيدة،
عظَّها من العنق،
وعداً تجثو عند ركبتيك راكعة.

إن أبدتْ حراكاً لا تُبدي اهتماماً،
فالأسماكُ بعد أكلِ الطُّعمِ
ترقصُ رافسةً طائعة.

لا تعرِّيها،
فالقصيدةُ التي لا تتعرّى إليك،
دعْك منها…
هكذا تقولُ جدتي.

تلوي عنقَها مولولةً ساخطةً؛
كم من لواعجٍ
تاهَ منها السبيلُ للسبيل.

ما انفكَّ ضرسُ الأسدِ
حولَ عنقِ الغزالةِ الهاربة.

لا تُشبعُ بطنَك قبل أن تلقِّمَ القصيدةُ خبزَها.

٣

أنا عودُ القصبِ اليابس،
لا مستقبلَ لي سوى النايات.

ترفَّقْ،
لا تشحذِ السكينَ،
إيّاكَ أن تجرحَ القصبا.

دعْكَ من خرصِ ثقافاتِهم…
من أنبأكَ أن القصبَ
بالسكينِ قد ثُقفا؟

إن من يلوكُ الخوصَ وجعاً
ليس كمن يمضغُ الرُّطبا.

هل تساوى من يحرقُ دنانيرَه طرباً،
بمن يحرقُ أعوادَ أيّامِه حطباً؟

ترفَّقْ،
وقِف حيث أُنبئتَ؛
فما عادَ من ريامِ الشمس
سلماً ومرتقباً.

أحاديثُ الغاربين محضُ أكذوبة،
وإن عُدَّ صدقاً قد كُذبا.

أما قال قائلُهم يوماً:
“لا ينفعُ التقويمُ في يابسِ الخشبا”؟

فمذ ألفِ حجةٍ بيضاءَ،
والملحُ يغازلُ جذورَ النسغ،
حتى استطالَ الساقُ والهُدبا.

٤

يا ليتني كنتُ علاءَ الدين…
سيّئٌ أنا في كتابةِ الهايكو،
ضليعٌ في رسمِ السين.

خلافاتُنا أزليةٌ مذ أمدِها،
خلافاتُ الطينِ مع الطين.

تُصرُّ أن ما بين شفتيها عنبٌ،
وأوكِّدُ بالدليلِ أنه تين..!

شبيك لبيك… خادمُك بين يديك.

أيُّها الماردُ…
ارفعْ حرفَ السين من العربية؛
لا جدوى منه حرفُ السين.

كم سوَّفنا من الأمورِ كثيراً!
كم قتلَنا الظنُّ والتخمينُ..!

أيُّها الماردُ…
اشفِ حروفَ العلّةِ من علَّتها،
فلدينا من العللِ ما يكفي.

أيُّها الماردُ…
هل مازالَ فاعلُك مرفوعاً؟
ها أنا أمامَك مجرورٌ وحزين.

أيُّها الماردُ…
اكسرْ فانوسَك، هل تقوى؟
قد ماتَ مذ دهرٍ علاءُ الدين..!

هامشٌ غير ورقي

أهذي…
والليلُ معي يهذي.

نتوهُ في لذَّةِ الدخان،
نكاسرُ نخباً لم نشربْه قطّ.

من منّا يا ترى بدأ الهذيان؟
ماذا لو شاطرتِ نصفنا الباقي،
وأخذتِ من لونِنا كُحلةً لعينيكِ،
وتركتِ آخرَ زرٍّ بقميصكِ
يبيعُنا السُكرَ في حانةِ النسيان؟

الإنسانُ فكرةُ الربِّ الأولى…
فكرةٌ بلا جدوى هذا الإنسان.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!