أولدُ في زمنٍ يلفظُ موتاه كالنوى،
مدينتي – يا أمّاً عاقراً تلدُ الجمرَ بدل الدمع –
تحبلُ بي كلَّ فجرٍ ثم تدفنُني مع الأصيل
في مقبرةِ الأسماء المنسية
حيثُ لا شاهدَ سوى أصابعنا المقطوعة
التي ما زالتْ تشيرُ إلى الخضراء
أحترقُ كشمعةٍ في معبدِ الآلهة العطشى
كلّ لهبةٍ تهمسُ باسمكِ يا خضراء
كلّ ذرة رمادٍ ترسمُ وجهَكِ على جدران المنفى
أنا ابنُ الثورةِ الذي لم يكبرْ
ظللتُ طفلاً يحملُ لعبةَ الموت بين أصابعه
وألعبُ بها تحتَ أنقاض المدارس
أصابعي – يا وطني – أشجارٌ محنّطة
تسقطُ أوراقها في كلّ اتجاه
لكنّ جذورها تشدّكِ إلى أعماق التراب
أصابعي أقواسٌ يرميها الزمنُ نحو الفراغ
فترتدُّ إلينا كصدى الضحايا
في مدينتي:
كلّ إصبعٍ هو قصيدةٌ مكتوبةٌ بدماء الأبجدية الأولى
كلّ إشارةٍ هي مزمورٌ يقدّسُ الغضب
كلّ كسرٍ في عظامنا هو نهرٌ يجري نحوَكِ
الخضراءُ:
ليستْ مكاناً بل زمناً يهربُ منّا
قلعةٌ من زجاجٍ نرى فيها وجوهنا المشوّهة
نحطّمُ المرايا فتنكسرُ أصواتنا
نزرعُ الأصابعَ في سوركِ فتنبتُ أغاني الثكالى
أيها الحراس:
خذوا دمي ولكن دعوا إصبعي يشير
خذوا خبزي ولكن اتركونا جوعى للعدل
خذوا حتى آخر أنفاسنا
لكنّ الأصابعَ ستبقى تشير
في الليل:
تتحوّلُ الخضراءُ إلى سرابٍ
نركضُ خلفه كالأطفال
نسقطُ في حفرِ القنابل
ونستيقظُ لنكتشفَ أنّ الأصابعَ صارتْ سكاكين
أيتها المدينة:
أنتِ الأمُّ القاسية
أنتِ العاشقةُ المجنونة
أنتِ الدواةُ التي لا تجفُّ
أنتِ القصيدةُ التي لا تكتمل
سنبقى نولدُ ونحترق
سنبقى نشيرُ وننزف
لأنّ في الإشارةِ معنى
ولأنّ في الأصابعِ ذكرى
ولأنّ في الخضراءِ جرحاً لا يندمل