أبدأ من العتمة
حيث لا وعد ولا انتظار
أسئلة تتكاثر كصدأ في الجدار
كأن الجدار نفسه يتنفس بالشك
وكأن الصمت ضجيج آخر
هناك، حيث يتوقف الزمن عن التنفس
تتكدس الأسئلة كحجارة رطبة
على عتبة الفجر
كأن الضوء بلا وطن
وكأن البداية نسيت كيف تولد
كأن الولادة موت مؤجل
أرى الناس كأوان متصدعة
يحملون من الحياة ما تسعه أيديهم
ويتركون الباقي على رفوف عالية
يغطونه بالسكون
كأنهم يخافون أن يلمسوا ما يتجاوز حاجتهم
كأنهم يختبئون من الجوهر من الغاية من السر
كأن الحقيقة ظل يتخفى
هم ينامون على سطح الماء
لا يغرقون
لأنهم لا يسألون عن الأعماق
كأن الأعماق مرآة تتفتت إلى شظايا من صمت
تكشف هشاشتهم
وتعيد إليهم خوفا لم يسم بعد
سرت على هامش الكلام
جمعت مفردات كشرارات غبار
ورميتها في فم الفجر
لأعرف هل سيبتلعها
أم يعيدها جمرا يضيء الطريق
كأن اللغة تجرب هشاشتي وتختبر صمتي
زارني طيف طفولة
يمشي على أطراف الذاكرة
يحمل رائحة حطب رطب
وصوت أم ترتعش يدها من دفء قديم
كأن الحطب يرفض الاشتعال
وكأن الطفولة نار مؤجلة
جلسنا معا
عددنا الأشياء التي لم نعد نحتاجها
رميناها في سلة من ضحك
ثم نسينا أين خبأناها
كأن الطفولة تسلم مفاتيحها للنسيان
النسيان نافذة ضيقة
تهوي الغرفة
لكنها لا تفتح على الخارج
بل على فراغ آخر
كأن الفراغ امتداد الحياة حين تتعب
ضحكت
لأن الضحك أحيانا
أقصر الطرق إلى الحقيقة
وأكثرها مرارة
كأن الضحك احتجاج
وكأنه جرح يبتسم
انسكب الشفق
مد يده على كتف المدينة
فتوهجت النوافذ كعيون صغيرة
تراقب أحلامها
كأن المدينة تحلم بي
جلست على شرفة بلا غاية
راقبت الضوء يتسلل بين المباني
وكيف أعادت الشوارع ترتيب نفسها كل مساء
كأنها تصلح أخطاء النهار
وتكتب تاريخا لا يقرأه أحد
أكتب عن الخوف كضيف قديم
أكرمته بكوب من شاي مر
وتعلمت منه الصبر
وتعلمت كيف أمسك بيدي
حين تشتد الريح
فاليد وطن أخير
والجسد جدار أخضر للجوهر وللحقيقة وللسر
الخوف مرآة
أظهر لي كم أنا هش
وكم أنا معجز في آن واحد
كأنني كائن مكسور ومضيء معا
كأنني سؤال يمشي على قدمين
ومن خوف يتكسر يولد وعد هش بلون جديد
وفي صباح مختلف
وجدت زهرة بلا اسم
تنبت من شق في السر وفي الحقيقة وفي الجوهر
لونها لا يقاس بالأسماء
كأنها لغة لم تكتشف بعد
كأنها وعد لم يكتب
اقتربت منها
أمسكتها برفق كما لو أنها سر محظور
وضعتها على صدري
وشعرت أن العالم عاد إلى مكانه
لا لأن الإجابات جاءت
بل لأن سؤالا واحدا
صار أقل وحشة
وأكثر قدرة على البقاء
آفاق حرة للثقافة صحيفة ثقافية اجتماعية الكترونية