كنتُ أمشي،
والمطرُ ينقرُ على كتفي كأنّه يُوقظ شيئًا في داخلي،
شيئًا نسيته بينَ ضفّتين.
الضفة الأولى… أنا
والضفة الأخرى… لا أحد
فقط أشجارٌ تبلّلت بأسرارها
ونهرٌ صغير
يطفو فوقه بطٌّ وحيد
وصوت نوارسٍ لا تعرف الصمت.
وقفتُ على جسرٍ ضيّق،
كأنني على حافة ذاكرةٍ لا تنتهي
أنظر إلى الماء
الذي صار يعكسني خفيفًا…
كمن لم يعد يقف هناك فعلًا.
كل شيء كان مبتلًّا:
الحصى، الأعشاب، الهواء
حتى قلبي
تسرّب إليه المطر بهدوء
وغسل ما تبقّى منك
كما تُغسل الكتابةُ من فوق الرمل.
الأفق ضباب،
لكنه يحملُ هيئتك
كأنك كنتَ هناك،
تنتظرني،
أو تلوّح لي من حلمٍ
لم أعد أعرف إن كنتُ عشتُه… أم فقدتُه.
أشهق وحدتي،
وأذرّيها مع الزفير،
على أمل أن يسمعها طائرٌ
لا يعرفني،
لكنّه يشاركني الغياب.
كنتُ هناك
على الجسر الذي لا يصل أحدًا بأحد،
أنظر إلى الضفة الأخرى
وأفكّر:
هل نعبر الجسور حقًّا؟
أم نبقى فيها… معلقين بين ما كنّا وما لن نكون؟
السماء كانت قريبة،
كأنها تستمع لي،
وأنا تحتها
أُصغي لصمتٍ داخلي
ينزل كقطرات لا تُرى.
أغمضتُ عيني،
فمرّ كلّ ما لم يُقال:
خُطى راحلة،
ضحكة قديمة،
اسمٌ خافت،
وصوتك
يمشي خلفي بهدوء…
لا كظلّ المطر،
بل كحنينٍ لا يهدأ.
لا أحد على الجسر
سواي وسؤالي الكبير:
إن عدتُ من هنا، هل سأكون أنا؟
أم بقايا شخصٍ عبر ذات مساء،
ثم تلاشى مع الغيم؟
الليل لم يسقط بعد
لكن قلبي فعل،
وبقي هناك،
حيث لا انعكاس في الماء
إلا لما غاب،
ولا طائر يلتفت،
ولا يدّ تمتدّ لتأخذني إلى حيث كنتُ يومًا…
حقيقيًّا.
