شهرزاد الثانية
كورساكوف العائد
من شرخ في زجاج نافذة قديمة،
تنزف رذاذًا…
يلثم مقبضها الصامت،
يوقظ الأوراق المنسية
يستدرج من زوايا الغرفة؛
حكايات بلا صياح للديكة
تئن الشقوق على حافة المكتب الخشبي العتيق،
تتراص الأحجار كأنها أسنان الزمن الذابل
تحدق في وجهي بملامح تشبهني
تنتظر أن أعزفها… أو أشيعها!
الخزانة المكدسة بأوراق مهملة
تئن كقوقعة تعج بطنين مبتور؛
أقصوصة عالقة في دفتر شهرزاد المفقود
حين باغتها الفجر
ثمة لقاء؟!
ربما…
لا يشبه اللقاءات المتربصة على أرصفة السرد،
بل اصطدامًا أول
بين قمر ضال، ووتَر على وشك البكاء
كورساكوف؟
كان هو…
لكن لا ملامح له،
بل هيئة من نوتات
عيناه نهران من العزف
صوته لغة لا تُقال،
بل تُرتشف من رجفات الصدى
لم نتبادل الكلام،
ما بيننا ثمة أحاديث معبأة
يُقاطعها صمت نابه
يجملها الإيحاء،
كما يليق بنص لا يُكتب للنشر،
بل لتراتيل ملائكية عند الصباح
كل ما في المشهد مفارقة قصصية:
أن يعود كورساكوف لا ليؤلف؛
بل لينصت إلى الموسيقى تتسرب
من بين ثنايا الورق
أن تُبعث شهرزاد لا لتحكي؛
بل لتبكي لحنًا لم يُروَ من قبل
أيها النقاد، صفّقوا إن شئتم،
أو فككوا النص اللاجئ
لكننا كنا هناك،
عند المفارقة الفاصلة بين الحياة والذاكرة
حين انبثق اللحن الأول
من ندى الحجر،
من الدقات الثلاث لعصا مسرحية،
وحين رفع الستار
لم يكن هناك…
إلا الموسيقى… وأنا!