كنَّا أوائلَ الصَّيفِ
حين تذكّرنا سعاد حسني فجأةً،
نعم،
تذكّرناها معًا ونحن نُقلِّبُ الدَّفترَ الدِّراسيَّ
ذا الغِلافِ الأخضر،
الذي ظلَّ يرفرفُ على سُلَّمِ الجامعةِ
نهارًا كاملاً،
قبلَ أن يلتقطَه سيّد عبد الخالق،
ويشغلُ الصُّحبة.
«عزة محمد نعمان»
بدا الاسمُ عاديًّا بدرجةٍ مفرطة
ومعاديةٍ للخيال،
لولا أن الشَّخبطاتِ على حافتِه نمَّتْ
عن اضطرابٍ واضحٍ،
وأشواقٍ مبهمة.
أما الأشعارُ، فكانت منقولةً عن آخرين،
منقولةً .. بتصرّف.
«يا أىَّ أحدٍ أحبُّكَ»
على الأغلبِ جاءت العبارةُ في فيلمٍ إيطاليّ،
ربما كان اسمُه «رسالةٌ في علبة»،
أو «رسالةٌ في قنِّينة».
لعلَّ هذا ماجعلَنا نُخمّنُ أن البنتَ
ذات عينيْنِ سوداويْن،
وعُنُقٍ خمْريّ،
ونهديْنِ مُنْصِتَيْن.
كأن خيالَنا في تطوافهِ كانَ يخالطُ شيئًا
من معشوقتِنا .. صُوفيا لورين،
أما الذي لم نعرفْ له سببًا،
فكان اتفاقُنا الصامتُ على أن لديْها
فستانًا برتقاليًا ومحبوكًا
بما يجعلُ من مشيتِها رقصةً مكتومة.
قلتُ وأنا أنقلُ شيئًا من يدٍ
إلى أخرى:
«لعلَّها ياسيِّد، أختٌ لفتاةِ الإعلانات،
الفتاةِ التي كنَّا نراها على اللوحةِ المُضاءةِ
كلما عبرْنا ميدانَ الحدائقِ،
الفتاةِ التي كانت تقفُ بعيدةً وساهمةً
في لِباسِ البحر»
لكنه قال:
«بل هي البنتُ التي وبَّختْني يومَ القناطِر،
أتذْكُرُها يا عاطف؟
.. البنتُ التي فهمتْني غَلَط»
مرورُ الوقتِ،
راكمَ حولَ الدَّفترِ عشاقًا مغادرِين:
رفرفتْ سُعاد في سماءِ لندن وهي تتمرَّنُ
على دوْرِها الأخيرِ،
ثم رفعْنا سيّدًا إلى المقبرة،
أما ناصر رباح، العاشقُ المتروك،
فكان قد اختصرَ المسافةَ وعاد إلى غزّة،
بعدما تأكّدَ من إقلاعِ إبراهيم محمد إبراهيم
عن كتابةِ الشِّعر،
وإطلاقهِ لحيةً خفيفة.
«عزَّة محمد نعمان»
كان الاسمُ عاديًّا بدرجةٍ مفرطة،
درجةٍ ..
تستعصي على النسيان.