إلى محمود درويش
مشيت اليك زائراً
و أنت ضريح
وأعلم بأنك لن تراني
وليس من عاداتي البكاء على القبور
وأعلم بأنا لن نلتقي يوماً
ودعك عن أحاديث القيامة النشور
غير أنك يا ابن أمي
كتاب في الغياب
وسفر في الحضور.
وسكنتنا
وتسكننا
يا وارث الولادة من قانا الجليل.
آه يا وليد القهر والفقر
و أحقاد الدخيل
أفنيت عمرك تكتبنا
وترسمنا
وتحملنا على جناحيك
شعراً
لتهزم شر غدار
يرتدي ثوب القتيل.
كنت انت همُ
وهمُ أنت
ولست الآخر في صوتهم
هم المأساة فيك
وانت جرحهم العميق
يحكي قصة
الليل الطويل والصباح
أيها القلب المعنى
يا من لم تشك للحمام أسرك
ولا هربت إلى كافور شاكياً للظالم ظلمك
وبقيت تشدو صارخاً وحدك
حبا ، حنينا ، فجرا وانكسارا
وأفنيت عمرك باحثا عنهم
وهم فيك
فتناسخوك وتقمصوك
قتلت سكون العتم
فجراً
تمشي كصوت القصيدة
وحدك وحدك الناطق في متحف الصمت
يا من أفنيت عمرك لائي الهوى
ويتلوك ثائر المنفى
نجاة من عدم محيط
سكنت بيوت الحالمين
والمدن العتيقة
وآهات الصبايا
وأحلام الزهور،
سكنت أرواح الضحايا
وثكالى المجزرة
وبكاء أم في زوايا المقبرة.
كل الأكف صفقت لصوتك يا نشيد
من أكف أوغاد القصور
الى اكف سكان القبور.
وحين انفصلت قليلاً متأملاً بحر أناك
وغرقت محزونا على موت صباك
تساميت شعورا بالفناء
باحثاً عن معناه ومعناك
وهرعت حنينا الى أم على وشك الرحيل
تحن الى قهوتها وحبل الغسيل.
هل خاب ظنك يا سليل الحلم
بجندي يحلم بالزنابق البيضاء
وبالدرب الطويل!
يا سيد المنبر الابدي
يا عشق الكلام
يا قاهر الدهر وآنات الزمان
صوتك والصدى خالدان.
جئتك يا حبيب الشام
من جراحات الشآم
والصبايا اللواتي درن حول راياتك
لبسن اليوم سواد الحزن
ينشدن في الليل آيات غير آياتك
والسوري هو الآخر
احمد العربي
أما كنت تعلم يا سيد الضاد
إن الرعاع يمتصون دم الكلام
وإن اﻷكف لا تصفق للحزن
ولا للحمام.
فاتل عليهم جدارية الموت والحلم
كي توقظ فيهم ذاكرة العدم
كي لا ينسوا معنى الوجود
ومعنى الألم
درويش يا ابن أمي
الخوذة التي حالت بين ريتا وعيونك
حالت بين عيوني والشآم.
لم أشك يوما عمق جرحي
ولم أر الحساد من أخوتي
ولا قهري
ولا غدر الانام
فما انا يوسف ولن اكون
وانت تدري إني لقيط
لا أحن إلى أحد
ولا إلى حضن أم حنون.
يا عندليب الصباحات الذي راح يغني
للبيارق والبنادق والسيوف
أيها العازف على كمنجات الوجود
الراصد ضوء الشمس
أيها المقتول حزنا وقهرا وحبا
يا ساكن أرواح الصبايا
واحلام الطيور
هم اﻵن حول قبرك يا ولي الشعر
وانت اسم لجائزة
ودرب
وكعبة حج
وبسملة
وطقس هوية
وذاكرة
ونقش وضريح من رخامِ
وحدي يا ابن امي رأيتك
وحدثتك عن رحلة الأقلام والأحلام
فلا زهقت روحي
ولا أعياني الكلام.
حاورتني أقلامك من خلف الزجاج
حدثتني عن الوحي
وتمائم السحر
عن تلك الانامل واحتضان الروح
عن النزق العميق
عن المداد
عن الورق السعيد
و آهات الحروف.
أيًا نهرا غادر ماءه
وصار نبعاً
واستوى على عرش الكلام
أنشودة المعنى
وموسيقى الجروح
لكني
يا ابن أمي،
همست لزهور قبرك
أنا لا احب القمح
أنا لا أحب إلا الأفق والريح
والورد
والزعتر
وأسراب الحمام.