هذا الشّاعر.. ليس أنا!
أنا.. لا أعرفه!
لكنّه كان ينتظرني، دائما، على أرصفة الكآبات
فيأخذ بيدي وأنا أعبر من رصيف
إلى الرّصيف المقابل
و يسند كيس الحزن الكبير الذي أحمله على ظهري
حتّى لا ينفلت من قبضتي فيندلق ما فيه
على خطوات تمرّ سعيدة…
داخل وحدتي،
يقف هذا الشّاعر عند النّافذة التي تطلّ، مباشرة، على مللنا الكثير
يقف هناك
ليدخّن دون أن يجعلني أتأفّف من رائحة سجائره
ويخبرني كم أنّ حبيبتي جميلة
وأنّها قصائد لم يكتبها الشّعراء
ثمّ يناديها، أمامي: “حلواي” أو “سكاكري”
ويتلمّظ شفتيه!
فيُغيظني أكثر
ويقول لي إنّ حبيبتي
كلّما نامت عارية في حضن الضّوء
انتصبت الأبجديّة
وتسارعت أنفاس أصابعه..
فأقذفه بنعلي
وأشتمه!
تُضحكُه ردّة فعلي.. وخجلي
فييدأ بالرّقص
كما ترقص فزّاعة في حفل العاصفة
مؤكّدا لي
أنّ رقصته قد تعلّمها عن مغامر شهير اسمه: “زوربا”
كان قد اِلتقاه عند النّهر عندما كانا يطاردان نفس الفراشة
لكنّي لا أهتمّ لثرثرته عن قصّة “زوربا”
وأواصل قضم أظافر الوقت
وأنا أتَخَيَّلُني ذلك الضّوء الذي تنام،
في حضنه،
حبيبتي عارية
ولا أشتُمُني!
بينما هو يذهب ليجلس في زاوية وحدتي
ودون سبب
يبدأ بالبكاء كطفل…
هذا الشّاعر.. ليس أنا
ولم أصادفه،
يوما،
في كلّ المرايا التي كانت تحدّق في وجوهي
وأنا أجتاز الممرّ بين صمتي و صمتي الآخر!
هذا الشّاعر ليس أنا
إنّه كسر في الجمجمة يسحب كلّ ضوضاء العالم
إلى داخل رأسي
و يؤلمني!
يُقشّرني من كلّ العتمة التي تلُفّني
ثمّ يُوقِفُني عاريا، تماما، في ساحات القراءة
ويُعلِنُني آثما
لأنّني مازلتُ أسخر من الشّعر و من الشّعراء!
ويزرعني في طين اللّغة
بذور تبّاع حزن
ولا يهتمُّ
– حين أنمو وأكبر –
لطيور المعنى و هي تقتات من رأسي
فتؤلمني!
هذا الشّاعر ليس أنا؛
إنّه ثقب في صدري
خلّفته رصاصة أطلقها موت مستعجل
كان هاربا من ضحكة طفل توعّدته بالحياة
ووعدني أنّه سيعود
حين يلتئم الثّقب وأظنّ أنّي قد نجوت!
هذا الشّاعر.. ليس أنا!
إنّي لا اعرفه
وإنّه لا يعرفني
مع هذا،
فهو كلّ الذين أعرفهم حين يغيب كلّ الذين أعرفهم
وأنا وَجَعُهُ الوحيدْ
كلّما ذهب العالم ليرتاح من حروبه…
هذا الشّاعر.. ليس أنا!
فاتّهموهُ وحده بالشّعر وبالجنون
وبكلّ التّهم التي يعشقها الشّعراء
أمّا أنا فاتركوا لي تهمة: الأسماء
وتهمة الانتماء
وكلّ تُهم التأريخ والجغرافيا.
