الشعر نتاج بشري، لا شياطين عبقر ولا ربات الشعر كما يتوهم القدامى، ولا هم يحزنون.ثمة احساس وشعور وموهبة ولغة ورؤية ومراس وتجربة تخلق خصوصية شعرية تمتاز عن المألوف وشعر الأقران.
تأتي القصيدة في موعدها ، وتنأى وتبتعد حسب اللحظة السيكولوجية للشاعر، والاطلاع على تجارب الاخرين ، والتنويع والتنوع عند الكتابة تخلق ديمومة الهواجس، وحين يحس الشاعر بالتكرار والاستجرار فعليه أن يتوقف ويمتنع عن الكتابة كي ” لا يغتصب القصيدة اغتصابا” ، فالقصيدة تأتي في وقتها، فهناك طقس غزارة وهناك طقس نضوب واستقراء، ومعظم الشعراء يدركون ذلك.
الشاعر إنسان يتأثر ويؤثر فيما حوله، وهناك ظروف تثري الشعر، وهناك ظروف تعيق الشعر ويختلف الشعراء في حظهم من تلك الظروف وفي زمن الكتابة وظروف خلق القصيدة ونوعها وغرضها والقدرة على السبك والصنعة وقهر الظروف، ويبقى الشعر بصمة ذاتية للشاعر وخصوصا حين يمتلك لغته الخاصة واسلوبه المتميز وقدرته على الانسياب وخلق وتكوين الصورة الشعرية المتفردة.
ترتبط القصيدة بمهارات شتى تبدأ بمهارة الشاعر في خلق الفكرة والصورة وانسياب اللغة والفرادة، تعقبها مهارة الإلقاء وتليها مهارة المتلقي او الناقد. والجدير بالذكر أن بعض الشعراء يفلحون في إلقاء قصائدهم، والبعض يفشل وكأن القاء نفسه من النافذة أهون من القاء قصيدة، وهناك شطحات عند الشعراء لا يمتلكها غيرهم. ومهارة الإلقاء هامة اذا امتلك الشاعر الصوت الواضح والنطق السليم للحروف والكلمات وتفاعل النبر مع المعنى وارتفاع الصوت وانخفاضه حسب مكونات الجمل الشعرية. وتعد مهارة الإلقاء غير الزامية لأن فن الإلقاء لا يتقنه الكثيرون ومعظم الشعر مقروء أكثر بكثير من الشعر المسموع.
*
* أ.د عبدالحكيم الفقية أستاذ الأدب الانكليزي في جامعة تعز – اليمن