دار الرعاة – رام الله – دار جسور – عمّان – 2023
كتب : سليم النجار
هناك صورة لإسراء الجعابيص وهي تنظر بحزن وألم، كانت هذه الصورة غلاف كتابها “موجعة”، بالرغم من بساطتها إلّا إنّها كانت تحاكي بشكلٍ ما، مكوّنات تجربتها الاعتقالية.
توحي الصورة بأنّنا نقف على وطن محتل، وتعطي انطباع بأنها تحارب ذاكرة النسيان، كما أن الصورة تختصر أزمنة من القهر الذي مارسه كل من احتل فلسطين، من الاحتلال البريطاني إلى الاحتلال الإحلالي الإسرائيلي، ربما أيضًا صورتها تشي بإدانة مبطنة للحاضر الإنساني الذي لعب ومازال يلعب دور المتفرج، وكأننا أمام مشهد مسرحي سوداي يسعي لعطف روّاد العرض المسرحي، “ضربوني بالعصا الفأس، أوجاع هيك أنا بتخيّلها هيك مرّت السنين وأوجاعي زوّدها الأنجاس وخذلان ورا خذلان والفرح عليّ ينقاس يوم أو لحظة وتمر وسنين بتجرّ ولسّا ذوق المر بلساني، سجن الدامون ١٧/ ٨/ ٢٠٢١”.
حكاية الجعابيص تشكّلت من لحظات زمنية غيّرت مجرى حياتها، والصدفة الإنسانية جعلت منها ضحية عدو إسرائيلي لا يعترف بآدامية الإنسان وأنّ له الحق بأن يتعرّض لصدفة، فهو متّهم منذ ولادته وحتى مغادرته الحياة.
إن صورة السجن التي صوّرتها الجعابيص وهي تفضح السجّان لابتزاز الجنس البشري من خرافته التاريخية التي من خلالها رسم صورة سجنه التي برعت الجعابيص في تصويره، “إن الأسرى الفلسطينيون يعانون بكل أشكال العذاب ابتداءً من الاعتقال الليلي سواء كان من البيت أو من خلال الحواجز العسكرية، وأكثر ما يعاني منه الأسير المصاب رهن الاعتقال وذلك بسبب الإهمال الطبي الذي يتعرض له من بداية اعتقاله كنوع من العقاب له”.
وهذا السلوك الإسرائيلي ليس جديدًا أو مستهجنًا، في ثقافتهم ثمة صورة كاريكاتيرية في صحيفة هي هأرتس الإسارائيلية، تُظهر شيخًا عربيًا شريرًا يمسك الكرة الأرضية في قبضته، وبالمناسبة هذه الصحيفة تعتبر نفسها يسارية، أي سخرية هذه!
كما تلجأ الجعابيص في فضح الشخصية الإسرائيلية العدوانية التي لا تُعرف سماتها إلّا بتعذيب الفلسطيني عبر مختلف الأساليب والأدوات القهرية، “آلام شديدة بالأيدي
آلام شديدة اسفل الرقبة
أعاني من الاكتئاب ورغبة شديدة في البكاء
آلام شديدة في مفاصل الأيدي والأقدام
آلام شديدة في الأطراف”.
إسراء الجعابيص في ١١ أكتوبر من عام ٢٠١٥، تغيّرت حياتها وكان القدر يرسم لها حياة ستتحوّل إلى عذاب وسجن واعتقال لا لشيء إلّا لأنها فلسطينية، كانت في طريقها من مدينة أريحا إلى مدينة القدس، حيث كانت تعمل في القدس، وتتنقل يوميًا من أريحا للقدس، في ذلك اليوم المشؤوم كانت تحمل بعض أغراضها لنقلها لبيتها الجديد الذي استأجرته في القدس، تعطّلت السيارة قرب مستوطنة معاليه ادميم، وحدث ماس كهربائي في سيارتها وانفجرت وسادة المقود، مما أدى إلى اشتعال في السيارة، في بداية الحدث اعتبرته الشرطة حدثًا عاديًا، ما لبث الإعلام العبري أن عدّ ما حصل عملية تستهدف الجنود الإسرائيليين، على إثر هذا التحريض من الإعلام الإسرائيلي، قررت الشرطة اعتقالها، وبسرعة البرق أجروا تحقيق معها في المستشفى الذي دخلته جراء الحادث، وقدمت للمحكمة وحكم عليها ١١ عامًا وغرامة مالية مقدارها ٥٠ ألف شيكل.
خرجت من المعتقل بصفقة تبادل الأسرى بتاريخ ٢٥/ ١١/ ٢٠٢٣.
“موجعة” لإسراء الجعابيص تجسّد تجربة المرأة الفلسطينية التي خاضت النضال منذ مطلع القرن السابق، الجعابيص تعيش حُلم التحرير كطقس يومي، فجاءت “موجعة” كسلوك نضالي يوثّق هذا الحلم.