ولادة ….
بقلم : كريم عبدالله – بغداد – العراق
ونقصد بالبوح التعبري : هو وصف العالم وطلب الخلاص بطرح رؤية فردية عميقة للحياة والعالم , وما هو واجب ومفترض , فتكون معاني الاشياء غير معانيها . فلابدّ لكل عمل أدبي على وجه الخصوص من رسالة خاصة من خلالها يطرح الشاعرما يريد قوله وايصاله الى المجتمع ونقل هذه التجربة للآخرين , كون الشاعر شخصا غير عادي ويمتاز بما يمتلك من موهبة من خلالها يستطيع تسخير اللغة واستنهاض الخيال والطواف بالمتلقي في مديات بعيدة واحداث الدهشة القوية والمستمرة وتحريك مشاعره عن طريق عذوبة اللغة والايحاء والرمزية المحببة ونقل الشعور العميق , حيث تكون اللغة غضّة مطواعة تتفجر ينابيعها وطاقاتها الخبوءة عميقا , وهذا ما تشتغل عليه اليو القصيدة السردية التعبيرية , فهي لا تعني السرد الحكائي القصصي والمباشرة في اللغة , وهي تنحو منحى اخر عن طريق استخدام النثر الذي من خلاله ينبعث الشعر الكثير , حيث تكتب على شكل فقرات متسلسة فيما بينها , بدون تشطير او وجود فقرات او نقاط زائدة كما في القصيدة الحرّة والتي تسمى خطأ بالقصيدة النثرية , كون الاخير مازالت للان تحت سلطة القصيدة العمودية في شكلها وبناءها الهيكلي . ان القصيدة السردية التعبيرية تطورت كثيرا نتيجة لوجود كتاب يختصون بها ويحافظون على انضاج مفهومها لدى الاخرين . ومن هؤلاء الشعراء سنتكلم اليوم عن الشاعر السوري : عمر فهد حيدر والذي يعتبر بحق سفيرا للقصيدة السردية التعبيرية , فهو الذي يدافع عنها دائما ويحاول ايصالها الى الاخرين والحديث عنها في كل مكان , وكأنه يتحدث عن حبيبته التي اخلص لها في حبّه الكبير , فهو يكتب هذه القصيدة ويحاول ان يتلمس الطريق نحو كتابة قصيدة تحمل هموم الانسان وغربته في هذا العالم , لم يكتب الاّ والوطن والانسان يتقاطر منهما الألم والتشظّي والضياع , ألم لا يشوبه اليأس والهزيمة , فكتاباته تزخر بكل هذا الوجع والوطن الممزّق , فهو يكتب بضميره الحيّ المعبّر عن ضمير الجماعة ومحنتهم , وتعرية هذا الواقع وفضحه , فعباراته دائما مشحونة بالألم والقلق والخوف والترقب والانتظار , فشعره ينقل لنا الكثير من هذه المفردات في بيئة انتشر فيها الخراب والدمار نتيجة تعرّضها للنكبات والازمات المستمرة , وكيف لا وهو ابن الحرب الواقف دائما على حدود ملتهبة ويحمل على كاهله عذابات سحيقة مستمرة ..! .
وبالعودة الى قصيدته / ولادة …. / فهي عبارة عن مخاض طويل ومؤلم وصرخة تنزلق بعد انتظار وصمت , ان في هذا العنوان رمزية وايحاء كان يقصدها الشاعر ليفتح لنا ابوابا للتأمل والقراءة , فنحن حينما نقرأ هذا العنوان يتبادر الى أذهاننا الكثير من التأويل , فهل كان يقصد ولادة / القصيدة / الوطن / الابداع / الحبّ / الافكار …الخ . لقد تركنا الشاعر ان نقرأ العنوان كل حسب رؤيته وثافته واحساسه وذائقته , وهذا ما يحسب للشاعر فلقد ترك بعد مفردة / ولادة / …. / هذه النقاط أراد منها ان يجعل من المتلقي ان يقرأه بطريقة تتناسب مع ما يمتلكه هذا المتلقي مما ذكرناه سابقا . ابتدا الشاعر قصيدته بهذا المقطع / تلدني اﻷرض من صخر اللوعة من هشيم التراب المبلل بالدموع ﻷمهات ثكلن بأبنائهن وأزواجهن في الحرب ../ .. المثير والغريب والمستفزّ في نفس الوقت من خلال مفرداته القاموسية / تلدني – صخر – اللوعة – هشيم – الغريب – المستفزّ – الدموع – الامهات الثكلى – الحرب / , فلو تأملنها جيدا لوجدنا قسوة هذه الولادة في زمن الحرب وما ينتج عنها من كوترث وويلات وخراب , استطاع الشاعر تسخيرها بطريقة ذكية لتجيش مشاعر المتلقي واصطفافه الى جانبه في محنته ومحنة الوطن . وتخفت حدّة الوجع لدى الشاعر وياخذنا الى عوالم عالية مرتفعة وكأنه يمتلك أجنحة كبيرة يرتفع بها عن هذا الواقع في محاولة للخلاص منه ../ تصطفيني في أعلى قمة لجبالها تقرأ علي’ طقوس الولادات الهانئات ،تلفني بشال رياحها العاتيات أتكور جوعا” من أديم هيجانها تتهجاني بماء ينابيعها الرقراقة النقية المنسية في بؤبؤ العين ،تهبني للشمس للقمر للنجوم لسماء تحنو كأم لها انتشاء اﻷمومة ../ .. ونجد ذلك في مفرداته / اعلى قمة – رياحها – الشمس – القمر – النجوم – السماء / . ان مفردات الشاعر تعكس لنا نظرته للحياة وتنبع من ذات نقيّة , فهي مفاتيح للدخول الى عالمه الحسّي والنفسي والفكري والشعري , فنجد هذه الذات الشاعرة تحاول الهروب مجددا من واقها في محاولة لتخفيف عذاباتها الى عالم الحلم ورسم الحياة بصورة بهيّة لتعويض ما اتلفته الحروب والنكبات ../ وتلزم صمتها في ليل الحياة الذي يطول بهامات وأحلم أني أحبو نحوك أتهجى حروفك كالكلمات أعلن انتمائي لوهج اﻷمومة للوعة حزن تمترس في خاطري ؛ تطير الفراشات كالشاعرات نحو حتفهن في حضن الربيع ، يبتغين عشقا” وحبا” وصمت الكلام كأنهن صرن موتا” جميلا” في روحهن وشايات بوح شفيف ../ .. وهنا يحاول ان يزاوج ما بين الحرب والحضارة , وكانه يفاضل ما بينهما ويحاول اثارة انتباهنا اليهما ../ من أزيز رصاص من تجارة حرب من رقي حضارة ياخوفها المسكون في لغتي لقد كبرت ومازال خوفي أكبر من خافقي .يرتديني السكون القريب يواكبني العطش يتهادى من غير انسياب ، أفرغ الشمس من عيني ..أتشكل برا” في رؤى براريك حزنا” وحبا . خوفاً يشدني إليك ياوطني وأنت تتهجاني لغة انتصار وفخر وسلام../..فخوفه ظلّ يكبر في لغته ويتشكّل في صورة يمتزج فيها الحزن والحبّ , الحزن على هذا الوطن الذي طحنته الحروب , والحبّ له رغم قسوة العيش وكثرة الخيبات فيه , وهنا نجد الأمل ينبعث من الذات الشاعرة من خلال لغة الحب وانتصاره / انتصار – فخر – سلام / فهي تعتزّ وتفتخر بهذا الوطن وتؤمن بقوة الحياة والحبّ في تحقيق الانتصار على لغة الحرب والدمار .
لقد استطاع الشاعر : عمر فهد حيدر ان يسخّر أقصى ما يستطيع من ملامح السردية التعبيرية في رسالته هذه , وان يرسم لنا بكلماته كل هذه الصور الجميلة و وان يعبّر عن رأيه وهو رأي الجميع بكل هذه الاحداث وان يمنحنا هذه الفسحة من الضوء والأمل والعشق للوطن والحياة .
ولادة….
تلدني اﻷرض من صخر اللوعة من هشيم التراب المبلل بالدموع ﻷمهات ثكلن بأبنائهن وأزواجهن في الحرب، تصطفيني في أعلى قمة لجبالها تقرأ علي’ طقوس الولادات الهانئات ،تلفني بشال رياحها العاتيات أتكور جوعا” من أديم هيجانها تتهجاني بماء ينابيعها الرقراقة النقية المنسية في بؤبؤ العين ،تهبني للشمس للقمر للنجوم لسماء تحنو كأم لها انتشاء اﻷمومة .
وتلزم صمتها في ليل الحياة الذي يطول بهامات وأحلم أني أحبو نحوك أتهجى حروفك كالكلمات أعلن انتمائي لوهج اﻷمومة للوعة حزن تمترس في خاطري ؛ تطير الفراشات كالشاعرات نحو حتفهن في حضن الربيع ، يبتغين عشقا” وحبا” وصمت الكلام كأنهن صرن موتا” جميلا” في روحهن وشايات بوح شفيف ، هو اﻷن حرب تستقيم كأنها موج شط بعيد ..لاتخافين أنت الحلم خاف علي’ من اﻷنا العالية ..من أزيز رصاص من تجارة حرب من رقي حضارة ياخوفها المسكون في لغتي لقد كبرت ومازال خوفي أكبر من خافقي .يرتديني السكون القريب يواكبني العطش يتهادى من غير انسياب ، أفرغ الشمس من عيني ..أتشكل برا” في رؤى براريك حزنا” وحبا . خوفاً يشدني إليك ياوطني وأنت تتهجاني لغة انتصار وفخر وسلام.
* عمرفهدحيدر/سورية 27/3/2019