الشاعرة التونسية ” ألفة دريد ” تدعو للإضراب عن   “الحب”  في “عيد الحب ” فالحب سر لا يعرفه العشاق

هاشم خليل عبدالغني – الأردن

     الشاعرة التونسية “الفة دريد ”  تحمل  شهادة الدكتوراه في اللغة والأدب الإنجليزي ..وهي كاتبة مسرحية ومترجمة ورياضية ، تكتب الشعر باللهجة العامية التونسية  ، إلى جانب كتابتها الشعر باللغة الإنجليزية  ، ترجمت أشعارها إلى أكثر من 12 لغة .. وهي ناشطة في الحقل الثقافي والأدبي ، لها مشاركات في الفعاليات الأدبية والثقافية  في تونس ، فهي شاعرة ملتزمة تحمل فكرا حراً ورسالة  إنسانية واجتماعية ، تشتهر شاعرتنا بقصائدها القومية والوطنية والاجتماعية ، كما عُرِفت بقوة شعرها وثقافتها الواسعة ، وتمتاز أشعارها  بالبساطة والجرأة .. وبالنقد والسخرية من الواقع البائس المتردي .

     تنهج (الفة دريد ) في قصائدها العامية  نهج كبار شعراء العامية العرب ، الذين لعبوا دورا تعبوياً وتحريضياً في معركة الشعب من اجل الحرية والتحرر  وقاوموا القهر والظلم … أمثال  بيرم التونسي، وأحمد فؤاد نجم من مصر ونوح إبراهيم من فلسطين ، وكريم العراقي من العراق ،وعلي المرزوقي من تونس وآخرين غيرهم .

         عنوان قصيدة الشاعرة  ” ألفة دريد ”  (إضراب على الحب ) ملفت للنظر يدعو للتأمل لفهم دلالته ومغزاه ، فالإضراب عن الحب شكل جديد من أشكال الإضراب ، الذي يدعو للدهشة والاستغراب ، فالإضراب في العرف الإنساني( الكف عن العمل ، أي إعراض عن شيء بعد الإقبال عليه ، بهدف تحقيق مطلب أو مطالب ) ، فهل تدعو الشاعرة لوسيلة سلمية  ( الإضراب )  ؟ للتعبير عن الاحتجاج على طريقة التعاطي مع الحب الصادم  والتمرد ورفض  الحب الكاذب ؟؟؟  وما شكل ووسائل الإضراب عن ( الحب ) الذي تدعو له الشاعرة ؟

      في هذه المقالة سنلقي الضوء على قصيدة جميلة وطريفة “إضراب على الحب ” سنتعرف على دواعي الإضراب عن الحب الذي تدعو له “ألفة دريد ” وأشكاله باعتباره من أقوى الوسائل السلمية للتعبير عن الاحتجاج على جفاف الحب وفشله وتعثره .. تقوم القصيدة على فكرة رئيسة  .. أن المعاناة  في الحب عامة وليست خاصة: –

 

         تبدأ الشاعرة ” ألفة دريد ” بمخاطبة المحب العاشق الذي يعاني من قلق وتوتر في (عيد الحب ) ومن اضطراب و انشطار نفسي  ، فتارة يكون متوتراً متشنجاً وأخرى ليناً لطيفاً كردة فعل انفعالي ، لما يشعر به من عدم التوافق الانفعالي العاطفي في ( عيد الحب ) .. ضباب كثيف يتعذر الإفلات منه ، ضباب الفشل والخيبة وإن عَبرت هذا الضباب ، فأعلم أنك لست الوحيد الذي عبره ، محذرة إياه من الشكوى والتفجع على مأساته ، ومن الشعور بأي إثم أو ذنب .

     تعلل الشاعرة دعوتها بعدم التوجع على علاقة بائسة قلقة قائلة :- لست الوحيد الذي ضحى وقدم قلبه ضحية على مذبح نيل الحرية ، الذي لا يخضع لقهر أو قيد أو غلبة ويتصرّف طبقًا لإرادته وطبيعته  بتلقائية ، ولست  الوحيد الذي أسعف وساعد وأعان (قلبه )على فتح أجنحته المطوية للتحرر من العبودية والانطلاق نحو فضاء الحرية فصار حرا لا سلطان عليه لأحد ، ولست الوحيد الذي وضع حاجزاً و حداً قوياً للغيرة والريبة .

 

إضراب على الحبّ

يالي وحدك في عيد الحبّ تدادي
لا تتوجع و لا تحسّ بذنب عادي

موش وحدك هديت لقلبك الحرية
و عاونتو يحلّ جوانحو المطويّة

موش وحدك تحرّرت مالقيود
و للغيرة والشكّ حطيت حدود

 

         تواصل الشاعرة تعداد حالات المعاناة المشتركة بين العشاق مشيرة  للعاشق المعني ..لست الوحيد الذي أسعدته الرومانسية فشعر بسعادة كبيرة ونشوة وحبور عند التواجد مع الحبيب ،  و لست الوحيد الذي أبكته رومانسيته ببعده وفراقه للحبيب . .. و لست الوحيد الذي تبين له أن الحب ليس ملكية خاصة يتصرف به الإنسان وفق أهوائه ورغباته ، أليس التملك والحب رأسان في نفس الطربوش ؟  ولست من أشرف على الهلاك وانكوى بنار الحب ، وأشقاه الله في حياته  ، ولست من أفقت من الأحلام الوردية البعيدة عن الواقع  وتعلم واستفاد .

 

موش وحدك بكيت و ضحكت
علي الرومنسية
‎…
الي ما تدوم كان شهر و شويّة

موش وحدك إكتشفت صُعب الملكيّة
الي هي و الحبّ راسين في شيشية

موش وحدك طحت و تليّعت و شقيت
و مالحلم الوردي صحيت و تربيت

 

       وتتابع الشاعرة لست وحدك الذي بذل جهداً ضائعاً وقام بما لا يجدي ، وهبطت درجة حرارة حبه وعانيت برد القلق والحيرة والندم !! خاصة بعدما أعلن الحب إفلاسه وظهرت طيبتك وفقرك العاطفي ، ولست من احتار الوحدة صديقاً وأنيساً ، معتقداً أنك تعيش قصة حب نقي سعيد كالقصة الشعبية ( الأمير والأميرة )ولست وحدك من ذلل المصاعب وقهرها وتخلص من التردد والارتباك ،   وأختار الهدوء والسكينة على استمرار العيش مع الأوهام والخيال .

موش وحدك تعاني في برد الليالي
بعد ما فلس الحب وظهر زوّالي

موش وحدك خيرت الوحدة عشيرة
في بلاصه المزعوم :الأمير والأميرة

موش وحدك تغلبت علي الناس و الحيرة
و خيرت راحة البال علي انسان تصويرة

 

      ولست الوحيد أيضا الذي أوضح مقاصده ،  أن الحب لونان : ظاهره كلام معسول وباطنه مصالح ذاتية ، وتجذبني إليك مرة وأجذبك إلي أخرى كلعبة القط والفأر ، وتتابع الشاعرة لست وحدك المحتاج للحقيقة في الوعد والوعيد ، والحب العفيف الطاهر ، والعطف والرحمة والرقة ، إلى أن تقول الشاعرة ” ألفة دريد ” حتى المرتبطين بالحب أو الزواج  يقومون بتمثيل دور المتيم الولهان أمام معارفهم بإتقان .

 

موش وحدك كشفت الحبّ: “ضربان لغة و تجارة
‎”
ويا تشدّني يا نشدّك بين القطوسة و الفارة الفارة

موش وحدك محتاج صدق وحبّ وحنيّة
‎…
حتي المرتبطين يمثّلو على البشرية

 

        بعد أن تستعرض الشاعرة عدة حالات لمن يداري  في الحب ويتظاهر بصدق علاقته ونجاحها وتميزها، رغم معاناته وحيرته وتوهانه ، تؤكد الشاعرة للمخاطب وكأنها تواسيه وتعزيه ، قائلة : لست وحدك من يتصف بالإباء وعزة النفس واللباقة وصَفاء الذِّهن ، يرفض المهانة والضعف والتبعية ، فأمثالك في الكون كثر لا حصر لهم  فمنهم  :-

1- ( المصدوم ) الذي فجأته وصدمته الحقيقة حين اكتشف غدر وعبثية الحبيب  .

2- ( المجروح ) الذي جرح  بقلبه وعواطفه فكانت هذه الجروح مبعث حُزْنً وألمً وإساءة  ” بالقول أو الفعل ” .

3-( الحساس) شديد التّأثّر بالتّغيّرات والعوارض الخارجية ..سريع الانفعال غير القادر على تحمُّل المحاباة والدلال المصطنع .

4-( الثوري )الثائر المتمرد الذي ينشد التغير والتجديد ، في إطار فكري شامل يكتسي بصبغة العنف والهيجان الثوري .

5-( المُخيّرون ) بين أمرين فعل مباح وأمر أخر عمله وعدم عمله سواء.

6-( المسحورون ) المخدوعين والمفتونين الذين سلب لبهم ليسهل استمالتهم  وخداعهم وتضليلهم .

7- ( الشعراء و الفنانون ) كل هؤلاء لهم مع الحب قصة وحكاية واقعية أو خيالية .. تحكى أو تقص .. منهم من كتم وأخفى حبه ومنهم من بالغ في كتمانه … ومنهم من حولها لرواية طويلة تعتمد على عنصر الحكاية  “لها بداية ووسط ونهاية ، فالبداية تكون مشوقة مثيرة ، بعدها مرحلة الوسط فتتوالى الأحداث ويتأزم الصراع حتى يصل إلى الذروة وبعدها تأخذ الأحداث في الهبوط وتبدأ العقدة تتكشف .. ويأخذ الصراع في الحل بالتدريج حتى يصل إلى النهاية “.

      كل هؤلاء المذكورين سابقاً وبمختلف مشاربهم وأفكارهم ومستواهم الثقافي ومكانتهم الاجتماعية ، كلهم على عيد الحب مضربين ، فلا مكان للحب الصادق في حياتهم .. كلهم ونتيجة ظروف وتجارب سابقة ولأسباب خاصة ، اتفقت آراءهم وتجمعت قواهم في جبهة واحدة ليعلنوا معا .. نحن أصحاب العواطف الصادقة نحن المخلصين وقولا وفعلا  ، لاعلاقة لنا بأعياد الحب الزائفة .

موش وحدك روحك عزيزة و ذكية
و ما رضاتش بالذل و العبودية

كيفك في هالكون ملايين و ملايين
فيهم المصدومين و فيهم المجروحين
فيهم الحساسين و فيهم الثوريين
فيهم المُخيّرين وفيهم المسحورين
فيهم الشعراء و فيهم الفنانين
كلهم مع الحب عندهم قصّة وحكاية
الي كتمها في القلب والي عملها رواية
الكلهم كيف بعضهم علي عيد الحبّ مضربين
‎” !
وحطّو اليد في اليد وقالو : “أحنا الصادقين

           وأخيراً .. نستذكر قول الأديب العالمي فيودور  دوستويفسكي :- ( وأحزناه ! إن كل ما حدث عندئذ باسم الحب والنبل والشرف قد ثبت بعد ذلك أنه كان قبحا شنيعا و غشاً ) . بهذا نستطيع تلخيص السبب الرئيس لدعوة الشاعرة للإضراب عن الحب ،فنص الشاعرة “الفة دريد ” ، نص حافل بالغضب والرفض و(الحزن الجميل ) .

         بالإجمال تضع ألفة دريد خطواتها الواثقة وأقدامها على بساط (الشعر العامي ) لتثبت حضورها  وتواصل مشوارها في هذا المضمار ، بعمق أفكارها والتزامها بالقضايا العامة .. بأسلوب بسيط  وواضح وخالٍ من التعقيد والغموض … وبدوري أتمنى للشاعرة المزيد من النجاح والتوفيق والعطاء والتألق ، ولها خالص تحياتي .

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!