المجموعة القصصية للقاص عبدالله محمد الوبر (( ميلاد بلا شهادة ))

من سلسلة قرأت لكم:

*************
بقلم: كمال محمود علي اليماني.

بين يديّ اليوم مجموعة قصصية للقاص عبدالله محمد الوبر ، بعنوان (( ميلاد بلا شهادة)) ، وظهر العنوان على صفحة الغلاف مقسماً إلى قسمين ، ميلاد بلا ش بالأحمر، ثم التكملة هادة بالأزرق ، والعنوان جاء في جملة افتتاحية للقصة رقم 12 في المجموعة ، وهي بعنوان (( حب كالفجر)) ، حيث يقول في أول جملة فيها:” للنظرة الأولى ميلاد بلا شهادة” ، ومن عنوان القصة ومتنها بعد ذلك ، ندرك أن الحب الذي ربط بينه وبين محبوبته كان حباً مؤهلاً لأن يموت وهو لما يزل في القماط، فهو جميل ووديع كالفجر ، لكنه يتلاشى بسطوع شمس الواقع الذي لايؤمن به، وعلى ذلك فقد جاء تقسيم العنوان ليدلل على قدر ومصير ميلاد هذا الحب بينهما ، هذا المصير الذي يرفضه بطل القصة ، حيث يقول في آخرها:
“لن أنسى ندى العيد إذ يزهر في جوانحنا ، فإلى ارتعاش التلاقي نبضنا نهمُ ، سأكتبكِ مخطوطة للزمن تؤرخها النظرة الأولى، ولن أدفن حبي ، ولن أقضي عمري في الطرقات. ت. ت. ت….”
المجموعة من إصدارات اتحاد أدباء وكتاب الجنوب للعام 2023 ، وضمت بين دفتيها 15 قصة قصيرة ، وأربع قصص قصيرة جدا، في 80 صفحة ذات المقاس المتوسط.
سلك القاص عبدالله الوبر في مجموعته مسلك التجريب في كتابة القصة ؛ فلقد حوت المجموعة قصصا جاءت كثير منها بصيغة المونولوج ( الحوار الداخلي ) ؛ إذ أن المونولوج يساعد القارىء على معرفة النفس، وذلك عبر الكشف عن مكنوناتها، كما أنه يظهر الصراع الداخلي الذي تعيشه الشخصية الرئيسة في القصة، وهذا النوع من القصص غالبا مايخلو من البناء القصصي التقليدي، وتغيب عنه الحبكة المعتادة في القصة التقليدية ، لكنها تكون مترعة بالأفكار والمشاعر والأحاسيس التي حاول القاص أن ينقلها إلى القارىء في قالب قصصي جديد ، وهو بذلك صار السارد في كثير من قصص المجموعة ؛ لذا جاءت كثير منها بضمير المتكلم.
وهو في مجموعته يعتمد كثيرا على السرد والوصف والمونولوج ، وقلما نجد الديالوج ( الحوار الخارجي ) فيها .
أما منطلقاته الفكرية فهي على العموم واقعية، ولهذا جاءت القصص ذات الصبغة الواقعية متسيدة ؛ فمن قصص سياسية إلى قصص اجتماعية تحمل في طياتها إدانات واضحة لما يعانيه الناس من ظروف اقتصادية ومعيشية واجتماعية وسياسية ، وإن كان في ذات الوقت يدين المجتمع الصامت الذي لايتحرك للتغيير ، ولايملك إلا الحوقلة ثم المضي قدما سادرا في مسيرة حياته.
والإدانات في متون القصص متعددة ؛ فإدانة للفقر ، وإدانة للاغتراب والهجرة ، وإدانة للهجمات الأمريكية كما في قصة المعجلة.
وكما ذكرت لكم سلفا ً فإن القاص عبدالله الوبر قد سلك مسلك التجريب ؛ ولهذا نجد الفانتازيا حاضرة ، كما في قصت ( رياح التغيير ) ، و( جراح).
غير أن القاص رغم واقعيته إلا أنه لم يحرم قارىء المجموعة من بعض القصص ذات النفس الرومانسي، كما في قصة (( حب كالفجر )) ، وقصة ((جرس الفسحة)).
ولتعدد مواضيع القصص ، ولتعدد أساليب التجريب ؛ فقد جاءت لغة القصص ذات صور متعددة هي أيضا ، ففي القصص الواقعية غالباً ماتكون اللغة أقرب إلى لغة الصحافة( اللغة الوسطى) ، وأما في قصص البوح والعاطفة ، فتأتي اللغة مطرزة بالجمال ، وموشاة بجواهر الكلمات ذات الشحنات العاطفية الجياشة.
ولقد حوت المجموعة قدراً كبيراً من السرد والوصف ذي اللغة الجميلة التي ترسم صوراً جميلة ورائعة ، منها قوله:
* إن إشارات الضياع تومض في رأسي فيزداد اعتقادي بالجحيم ، بالغرق وسط هذا البحر المخيف.
* وهاهما مياد وميادة ابناه يشرقان في حين يظلمني الشروق.
*لماذا السراب يغطي ناظريّ أنا وحدي؟ ثم لماذا الدجى يجود بجلبابه للأنثى ؟ بينما النهار يعمل بجد وهو يخيط بزات الذكور الأنيقة.
*هناك حيث بقي قنديلي يضيء ثلاثاً من ليالي العناء، يحيا مع الأشجان والأحلام ، ويسافر مع الأشواق والأنغام، ويعاني حرارة الوجد في زمهرير الشتاء .
*فروّعت طيوراً ريشها غض، وأفزعت في رأسي بلابل كانت نائمة.

حوت المجموعة ثلاث قصص بطلاتها نساء ، وكانت قصة ( ألحان الخريف) بوحا نسويا خالصاً، فكأنه من خلالها يرفض تجنيس فن القصة القصيرة إلى ذكوري ونسوي.

القصة الأخيرة كانت بعنوان ( اختبار المعاكس ) ، وهي أطول قصة في المجموعة ، وأحسب أن القاص عبدالله الوبر قد وضعها قاصداً في ختام المجموع ليزيح عن أذهان القراء فكرة مؤداها أن التجريب هو الطاغي، وأن القاص لايقوى على كتابة القص القصيرة مكتملة الأركان ، بكافة عناصرها من شخصيات وحدث وحبكة ، فإذا به يجيء بهذه القصة المكتملة والفائقة الروعة ، وكان المتن الحكائي فيها يسير موازياً للمبنى الحكائي ( بداية ، عقدة ، نهاية)، وبهذا فقد قطع الطريق أمام كل متشكك في مهارته وإتقانه.
أربع قصص قصيرة جاءت بعد القصة الخاتمة ، وهي قصص تتسم بالتكثيف والاقتصاد اللغوي والمفارقة.
مجموعة قصصية تدعوك لتقرأها لتستمتع بقراءتها من ناحية ، وللتفكير في موضوعاتها من ناحية أخرى، فلا تفوتكم فرصة قراءتها متى سنحت لكم.

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!